كتب التكليف السامي الجزء الثاني
#الدفاع_الاجتماعي و #التنمية_الاجتماعية، وقصة #الوزير_الباكي.
كتب .. العميد المتقاعد .. #زهدي_جانبيك
تذكرون وزارة عبدالكريم #الكباريتي 1997 وما جاء في رد الملك الراحل الحسين على كتاب #استقالة #الحكومة حول الوزير الباكي. وهي قصة مشابهة لما نحن بصدده اليوم.
اذ عندما زار الحسين مؤسسة الحسين لرعاية الايتام ورأى درجة الاهمال التي يتعرض لها الايتام امر فورا بسحب الاختصاص من الحكومة وتحويله الى الديوان الملكي والقوات المسلحة وحول قصر الهاشمية الى دار البر بالبراعم البريئة… وذلك كان تعبيرا واضحا عن قناعة الملك الراحل بفشل الحكومة فشلا ذريعا في هذه المهمة ادى الى الاطاحة بها، وهذا ما يجب ان يحصل اليوم.
في القراءة الاولى لكتب التكليف السامي تركز الحديث حول التنمية السياسية ، مع الاشارة الى ان فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ مهامها في مجال التنمية السياسية دفع الملك بعد ان يئس منهم، الى تشكيل لجان ملكية متعددة مستقلة عن الحكومات لتنفيذ التحديث السياسي وهذا بحد ذاته اكبر دليل على فشل الحكومات في القطاع السياسي وكان الدليل على ذلك رقميا انخفاض نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات والاحزاب.
وقلنا حينها ان الفشل يعود الى سببين: اما فشل السياسات ، واما فشل من ينفذها ، واما فشل الجهتين معا ، وتوصلنا الى نتيجة مفادها ان الحل يكمن في تنحية كل من شارك في هذه الحكومات وضخ دماء جديدة قادرة على التخطيط ورسم السياسات وتنفيذها.
التنمية الاجتماعية
عام 2000 كان الاردن في المرتبة 69 من 170 دولة على مؤشر التنمية الاجتماعية ، وخلال ال 23 سنة الماضية، وعلى الرغم من كل التوجيهات الملكية في كتب التكليف لل 19 حكومة الا ان الحكومات المتعاقبة ارجعت الاردن الى المركز 71 عام 2020 وتمكنت الحكومة الحالية منفردة من تسريع تراجعه على هذا المؤشر ليصبح في المركز 82 من 169 دولة.
ولكننا اتفقنا ان يكون مقياس #الفشل محليا وليس دوليا:
ولذلك، عند البحث في مدى نجاح او فشل الحكومات بتحقيق التنمية الاجتماعية يجدر بنا التذكير بما قاله الملك عبدالله الثاني قي كتاب التكليف السامي لحكومة سمير الرفاعي سنة 2013:
” إن تحقيق التنمية السياسية، بما يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار، شرط لنجاح كل جوانب الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.” انتهى الاقتباس ….
وبما ان زيادة المشاركة الشعبية شرط لنجاح الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، اذن، فإن الفشل في زيادة المشاركة الشعبية يؤدي حتما الى فشل في كل جوانب الاصلاح الاجتماعية والاقتصادية.
ظاهرة الفخر بزيادة الفقر:
تعاقب على هذه الوظيفة (التنمية الاجتماعية) 15 وزير تنمية اجتماعية في 24 وزارة وتعديل وزاري، وكانوا جميعهم يتحدثون عن الحماية الاجتماعية وتطوير منظومة الأمان الاجتماعي وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي، ودعم برامج الرعاية الاجتماعية للاقل حظا وبالنتيجة:
ارتفع عدد المواطنين #الفقراء الذين يستفيدون من المعونات المالية المباشرة من 166 الف شخص عام 2002 تم تخصيص 60 مليون دينار لهم، هذا العدد ارتفع الى 1,029,822 شخص محققا ارتفاعا في عدد الاشخاص الفقراء بنسبة 620% خلال 20 عاما فقط، بالتوازي مع ارتفاع مخصصاتهم المالية الى حوالي 240 مليون دينار سنويا، او ما يعادل 390% فقط….
وعلى الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية حديثة لمستويات الفقر في الاردن (وزارة التخطيط لم تنشر نتائج الدراسة الاخيرة) الا ان الارقام تتحدث عن نفسها فقد تضاعف عدد الفقراء اكثر من ستة اضعاف، وبهذا الشأن يقول صندوق المعونة الوطنية في تقريره السنوي لسنة 2022:
“وفي عام 2022 ونظرا لارتفاع معدلات #الفقر على المستوى الوطني تقرر زيادة عدد المشمولين من هذا البرنامج ليصبح …الخ”
انتهى الاقتباس الذي ينص على اعتراف الحكومة بفشلها بتنفيذ مهامها الواردة بكتب التكليف السامي والمتمثل بتضاعف عدد الفقراء المحتاجين الى معونة مباشرة 6 اضعاف.
المشكلة ليست في هذا الازدياد الهائل في معدلات الفقر، ولا بهذا الفشل، ولكنها في اعتبار هذه الزيادة الكبيرة في عدد الفقراء انجازا من انجازات الصندوق، ففي تصريح اعلامي لمديرة صندوق المعونة الوطنية:
” أكّدت المديرة العامة لصندوق المعونة الوطنية أنه خلال النصف الأول من هذا العام استفادت 8 آلاف أسرة جديدة من برنامج الدعم النقدي الموحد” انتهى الاقتباس….8 الاف اسرة جديدة انضمت الى قافلة الفقر، هذا هو الاتجاه الذي تتحدث عنه.
وقد تزامن هذا الارتفاع الهائل في معدلات الفقر واعداد الفقراء مع ارتفاع اسوأ واكبر في معدلات البطالة فقد بينت احصائيات دائرة الاحصاءات العامة (الحكومية) ان معدل البطالة في الاردن عام 2000 كان 13.7% ووصل عام 2023 اعلى بقليل من 21.9% من القوى العاملة، وفي رؤية الاردن 2025 التي تم اقرارها عام 2015 من قبل حكومة عبدالله النسور، يقول النسور:
” وتعد نسب التشغيل المتدنية مصدرا للقلق، بالنظر إلى تداعياتها الاجتماعية والسياسية،… وليس من المستغرب في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية انخفاض معدل الخصوبة في الاردن، وازدياد حوادث الطلاق.” انتهى الاقتباس.
وعلى الرغم من علم الحكومات المتتالية بخطورة نسب التشغيل المدنية (ارتفاع البطالة) ، الا ان هذه التداعيات الاجتماعية أصبحت واضحة للعيان تماما كما هي واضحة في الاحصائيات الرسمية الحكومية.
ففي عام 2002 كانت نسبة الخصوبة 3.7 طفلا لكل امرأة لتصل عام 2018 الى 2.7 طفلا لكل امرأة.
وقد انخفضت نسبة الزواج الخام (مقارنة بعدد السكان) من 10.3 حالة زواج لكل 1000 نسمة الى 5.8 حالة زواج لكل 1000 نسمة عام 2022، وهذا يعني مضاعفة معدلات العنوسة مع ما يرافق ذلك من مشاكل اجتماعية.
وارتفعت معدلات الطلاق من 1.7 حالة طلاق لكل 1000 نسمة عام 2000 لتصبح 2.4 حالة طلاق لكل 1000 نسمة عام 2022 مع ما رافق ذلك من اعباء على سياسات الدفاع والحماية الاجتماعية.
قال الملك لبشر الخصاونة عام 2020:
” ومن المهم أن تواصل الحكومة تطوير منظومة الأمان الاجتماعي لضمان حياة كريمة لكل الأردنيين، وربطها بمنظومة التعليم والصحة والعمل.”…..منظومة العمل الوطنية، وليس مليون عامل اجنبي؟؟
قال الملك لفيصل الفايز عام 2003:
“إن ثمار التنمية الاقتصادية والسياسية المستدامة هي التنمية الاجتماعية لشرائح مجتمعنا الأهلي كافة.. ازدهار الفرد والعائلة.. الطفل والشاب والكهل والفتاة والمرأة.. والتنمية الاجتماعية الشاملة لتحقيق التعليم والتدريب المهني وتوفير الرعاية الصحية.”…. التدريب المهني المنتهي بالتشغيل.
مثل هذه التوجيهات شملت جميع رؤساء الحكومات ال 19 في جميع كتب التكليف السامي، ونم النص عليها بوضوح في وثيقة “رؤية الاردن 2025” وفي وثيقتي “الأجندة الوطنية” و”كلنا الأردن” ووثائق استراتيجية اخرى عديدة، منها ما قضى نحبه ومنها ما زال ساريا، ومع كل ذلك فقد فشلت جميع الحكومات المتتالية في تنفيذ واجباتها المبينة في كتب التكليف السامي فلم نرى منها الا:
ارتفاع معدلات الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض حالات الزواج، وارتفاع حالات الطلاق، وانخفاض معدلات الخصوبة، وارتفاع سن الزواج، وارتفاع معدلات العنوسة، وتضاعف عدد الفقراء بشكل مخيف مع ما رافق ذلك كله من مشاكل اجتماعية واقتصادية وضعت ضغوطا هائلة على منظومات الدفاع والحماية الاجتماعية وادت الى تحويل اكثر من 10% من الاردنيين الى عالة على المجتمع.
ان استمرار سياسات الحكومات التي تركز على محاولة السيطرة على جانب “التكلفة المعيشية” من خلال توزيع المعونات المالية لشراء الولاءات وكسب الرضى الشعبوي سيزيد الامور سوءا ولن يغير الواقع المؤلم الذي نعيشه.
وما لم يتم تعديل النهج للتركيز على تمكين جميع الاردنيين لزيادة جانب الدخل فلن يتم تحقيق اي تقدم على جبهات مكافحة الفقر والبطالة … والفساد.
ولتحقيق ذلك فلا بد من تنحية كل من شارك في هذه الحكومات واستبدالهم بدماء جديدة قادرة فعلا على وضع وتنفيذ السياسات الناجعة للقضاء على الفقر والبطالة وما يرتبط بهما من معضلات ومشاكل اجتماعية.
زهدي اسماعيل جانبك
تموز 2023
Zuhdi.janbek@gmail.com