#الحكم_الشرعي في #التطبيع
مقال الإثنين: 6 / 11 / 2023
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
دأبت الأنظمة العربية المتخاذلة عن أداء واجبها الوطني والشرعي اتجاه تحرير فلسطين، على إيجاد الذرائع لتبرير ذلك، ومنها الاستعانة بمشايخ السلاطين لتزوير حكم الشرع تجاه ذلك الفعل الآثم.
معظم هؤلاء استند الى فتوى الشيخ “بن باز” في وجوب طاعة ولي الأمر إن رأى في مهادنة اليهود وإقامة علاقات طيبة معهم فيها خير للمسلمين.
بالمقابل فإن الفتاوي بتحريم ذلك كثيرة، ولعلماء متمكنين مستندين الى أدلة شرعية ثابتة، منها فتوى مؤتمر علماء فلسطين الأول عام 1935، وفتوى الجامع الأزهر في اجتماع لجنته المنعقد في عام 1956، والفتوى الصادرة عن المؤتمر الإسلامي الدولي في عام 1989.
وقد أجمع هؤلاء العلماء على حرمة إبرام اتفاقيات سلام مع الكيان اللقيط، وعلى حرمة بيع أي قطعة أرض فلسطينية لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره، بأي شكل من الأشكال، واعتبروا أن الاعتراف بهذا الكيان خيانة لله والرسول والأمانة ولكل المسلمين. وعلى ذلك فإن أرض فلسطين أرضٌ إسلامية وستبقى إسلامية.
إن فتوى بن باز ضالة مضلة، وتستند الى أسس فاسدة، وأهمها:
1 – تعامل مع الأمر كعلاقة طبيعية بين المسلمين وأهل الكتاب، وهي ليست كذلك، إذ هي بين المسلمين وقوة غاشمة احتلت فلسطين التي جزء من دار الإسلام، واستقدمت اليهود إليها ليحلوا محل أهلها المسلمين بالقوة.
2 – استند الى معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة، وهذا استناد فاسد لاختلاف الحالة، فاليهود في المدينة هم جزء من أهلها، ولم يحتلوها اغتصابا، كما أنهم لم يكونوا يشكلون كيانا سياسيا بل اجتماعيا، وقبلوا أداء الجزية التي تعني خضوعهم لحكم الدولة الإسلامية.
3 – استند الى صلح الحديبية لتسويغ معاهدة الكفار، وهذا استناد فاسد أيضا، لأن الصلح كان من موقف قوة للمسلمين، وكانت انتصارا دبلوماسيا لأن الدولة الإسلامية الوليدة هي التي كانت بحاجة للإعتراف بها، كما أنه دام سنة ونصف فقط، لكن خلاله كان المسلمون يتجهزون لفتح مكة، لكن أولياء أمر المسلمين الحاليين أرادوه صلحا دائما، يسقط حق المسلمين باستعادة أرضهم.
4 – أما قوله بوجوب طاعة ولي الأمر، فذلك ليس طاعة مطلقة بل مقيدة بطاعته لله ورسوله، فولي الأمر ليس منزها ولا معصوما، وإلا لما قال صلى الله عليه وسلم “أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”، والسلطان قد يجور وقد يخطئ، لذا لا تجوز طاعته على الضلال، بل تصويبه وتقويمه، استنادا لقول ابي بكر: “أطيعوني ما أطعت الله فيكم”، وقول عمر بن الخطاب: “فإن رأيتم في اعوجاجا فقوموني”.
5 – وهل هنالك مخالفة لأمر الله أكبر من التخلي عن نصرة الفلسطينيين الذين استنصروا اخوانهم في الدين؟ وبدلا من نصرة أهل ديار الأقصى لاستعادته من محتليه، الهرولة الى موالاة هؤلاء المحتلين، ودعمهم اقتصاديا لكي يطوروا أسلحتهم الفتاكة ضد ديار الإسلام أكثر، ودعمهم سياسيا لكي يحاصروا المجاهدين المسلمين ويضيقوا عليهم الخناق أكثر لدفعهم للإستسلام.
إذاً فالتطبيع يقلب الوضع، فبدلا من نصرة المسلم لأخيه السلم إن استنصره، يحالف عدوه عليه، بالمقابل فمراجعة مسيرة التطبيع منذ بدأت عام 1978 تبين أنه لم تتحقق أية مصلحة للمسلمين في أي مجال من هذه العلاقة المهينة، بل جميع المنافع كانت للعدو، ومنها:
1 – مكن التطبيع العدو من جعل دول الطوق حامية مجانية لحدوده، فاستتب له الأمان ليمعن في التوسع والتمكن.
2 – التطبيع أضفى الشرعية على كيانه المصطنع، فبعد أنه كان يعتبر عند أغلب الشعوب الأخرى منبوذا، لأنه كيان عنصري احتلالي توسعي، أصبح مقبولا تتسابق الدول على خطب وده، لأنهم لن يكونوا أحرص على الحق من أصحابه.
3 – حقق لهذا الكيان اللقيط الاستقرار والإزدهار الإقتصادي، فمنتوجاته التي كانت تواجه المقاطعة، ولا تجد سوقا إلا في أوروبا لكنها عسيرة عليها لصعوبة المنافسة، وجدت لها أسواقا جديدة.
نستخلص من كل ما سبق أن التطبيع محرم حرمة قطعية، وأن كل من يدعو له أو يشارك به عمليا، أو يروج له أو يدافع عن من قاموا به أو يسكت عنهم، فهو آثم مخالف لله ورسوله.