الحقيقة عارية

#الحقيقة_عارية

د. #هاشم_غرايبة
منذ أن تسلم الأمير “تشارلز” مُلك بريطانيا خلفا لأمه، نشط من يسمون باليمينيين في الغرب بالتحذير من إمكانية أن يكون متساهلا مع المسلمين، استنادا الى مواقفه التي كانت معارضة لانخراط “توني بلير” خلف “بوش” في الحملة العسكرية على العراق، والى زيارته الى الأزهر، وتصريحاته العقلانية التي لا تتوافق مع خطاب الإسلاموفوبيا المتشنج.
ورغم أن الملك في بريطانيا يملك ولا يحكم، لكن أنصار الحرب على الإسلام (الإرهاب)، يخشون أن تفتر الحماسة، فيستعيد المسلمون قواهم، لذلك من الهبل الاطمئنان الى أن هذه التوجهات العدائية للمسلمين، هي مقتصرة على من يسمونهم اليمينيين.
صحيح أن البشر من طينة واحدة، لكن طباعهم ليست كذلك، ومقولة الشاعر الإنجليزي “كلينج”: “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” صحيحة في المفاهيم والقيم والأفكار، بل وتثبتها الأحداث كل يوم.
ليس من شك أن الشخص الأوروبي يميل الى العلمانية بدافع التحلل من الالتزامات، وقلما يستوقفه موضوع الإيمان بوجود الله من عدمه، وحتى لو غلب على قلة منهم التدين والإيمان بالله، فإن أقصى مظاهره حضور قداس الأحد، فيعتبر تلك الساعة التي يقضيها في الكنيسة كافية لنيل رضا الرب، ثم يعود الى بيته مطمئنا إلى أنه بذلك عبّر عن محبته للمسيح، التي يعتبرها المتطلب الوحيد لدخول الجنة.
الرأسمالية النهمة أفرغتهم من القيم الروحية بإشغالهم بتدبير أمورهم المعيشية، لذا بات وقت العمل لديهم هو المقدس، لأنه يؤمن لهم معيشة رغيدة، التي تعني لهم توفير المتع الثلاث: الطعام والشراب والجنس، فهم يعيشون ليومهم كقطعان الأغنام، لا يهتمون بأمور السياسة إلا عند اختيار من يحقق لهم رفاهاً أكثر، ولا يضيعون وقتا في معرفة ما الذي يجري خارج بلادهم إلا إن أثر على مكتسباتهم.
لذلك انفردت قلة منهم بالاهتمام بالسياسة، لكنهم مؤثرون لأن الغالبية العظمى من الشعوب الأوروبية (مغونمة)، وبسبب اندحار اليسارية الماركسية، فلم يبق إلا اليمينيون، والذين يحاولون التأثير على الحكومات لإدامة المرحلة الإمبريالية، التي تحقق الازدهار لهم، فهي وسيلتهم للتحكم في خيرات العالم، وتلجأ الى إثارة القلاقل خارج بلادهم لضمان بقاء تخلف تلك الأقطار، وإذكاء النزاعات الدولية لاستمرار دوران عجلة الصناعات والتجارة الأوروبية.
هذا الفراغ الثقافي، جعل الأغلبية منقادة لهذه النخبة (السياسية)، التي تستخدم الاصطفافات الحزبية لتوجيه أنظمة الحكم، لذلك طغت اليمينية بظلاميتها المعهودة على كل أرجاء العالم الليبرالي.
يثبت ما سبق أن الأحزاب اليمينية في الغرب تحقق فوزا في أغلب الأقطار، وحتى في تلك البلدان التي تخلت عن الأحلام الإمبريالية، وتلك التي تدعي التسامح والقبول بثقافة الآخر، كالدول الاسكندنافية.
وشاهدنا كيف أن سلاح الجو الهولندي، يشترك في قتال لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، فأرسل طائراته في الحرب على العراق فقصف مصنع حليب الأطفال؟،.. ما الذي كان يسعى له هل غير الطمع بإبقاء الشرق مستوردا لحليب الأبقار الهولندية؟.
وبدل أن أن يستنكر الهولنيون أفعال كراهية المتطرفين لدين الآخر المتمثلة بالرسوم المسيئة، قاموا بدعم نشرها، وازدادت شعبية من قاموا بتلك الأعمال المشينة، مما يدل على أن الأمر ليس عدم فهم، بل هو تأصل المبدأ الإستعلائي القديم، الذي أملى للأوروبيين حروبهم الإستعمارية على الشرق.
ولا يختلف في ذلك أي قطر غربي عن الآخر، وحتى الأقطار المستعمرة لهم كاليابان وألمانيا التي فرضوا عليها دستورا يمنعها من استخدام القوة العسكرية خارج حدودها، تخطت الدستور في حالة نادرة لتشارك في غزو العراق ثم في الحرب على (الإرهاب).
لكن أسوأ من كل ما سبق، هو ما يفعله مريدوهم المنبثون بيننا، تحت مسمى (العلمانيين العرب)، فهم يعملون باطمئنان بدعم من السلطة والإعلام، ليشيعوا بيننا الإحباط وعدم الثقة بقدرتنا على مقارعة الغرب، كما يلجؤون الى إقناعنا بحسن نواياهم تجاهنا وأنهم ما يريدون إلا نفعنا، فيما نحن الذين تغمرنا الكراهية بدافع الحسد على ما هم فيه.
ألم يئن لأعوان الغرب من بيننا، الذين يصدعون رؤوسنا بقصة الكراهية، أن يكفوا عن دعوتنا لمحبة العدو الغازي بإقناعنا أنه ما جاء طمعا بخيراتنا، بل لينقذنا من عقيدتنا التي تعلمنا كراهية الآخر، فيما عقيدتهم كلها محبة وسلام!!؟.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى