
المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة
لم يجف بعد الحبر الذي وقعت به اتفاقية السلام الترامبية حتى بادر الكيان الصهيو…ني إلى خرقها بسقوط العشرات من الشهداء بنيران الجيش الصهيو- فاشي في قطاع غزة ، كذلك منعه لدخول المساعدات المتفق عليها حسب الجداول الزمنية والكميات والاصناف ، ويختلق الذريعة تلو الأُخرى لخرقها والالتفاف عليها ، هذا الكيان بمكوناته الاجتماعية الاستيطانية مهووس بالقتل والاجرام وإراقة الدماء وسيعمل كل ما بوسعه لدفع الفلسطينيين لترك ديارهم والهجرة للخارج ، الصورة الواضحة التي شاهدها العالم اجمع أن مجرم الحرب قاتل الاطفال والنساء النتن ياهو هو الانعكاس الحقيقي لعقل وضمير وسلوك المجتمع الاسرائيلي بغالبيته ، فهذه الإبادة والمذابح على مدار عامين وما سبقها على مدار سبعة عقود لا تستهدف حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة فقط ؛ وإنما كل الشعب الفلسطيني المقاوم والمسالم والمطبع .
الدافع الرئيس لمبادرة ترامب لم يكن حسه الإنساني والأخلاقي، فأمريكا هي من قادت ومولت هذه الابادة ، وهي من عطلت وأبطلت وأفشلت كل المؤسسات العالمية المعنية بالسلم العالمي وحقوق الانسان والمحاكم الدولية من اتخاذ قرارات واجراءات تُلزم الكيان بوقف الحرب ، مبادرته أتت بعد تيقنه القاطع بالعجز عن تحقيق اهدافه المتمثلة بسحق المقاومة وتهجير سكان القطاع عسكريًا .
المعركة القادمة هي الأخطر وهي تصفية القضية الفلسطينية ، فترامب لا بخطته ولا بخطابه في الكينيست ولا في شرم الشيخ ولا حتى بأحلامه ذكر حل الدولتين ، بل على العكس من ذلك فهو يتفاخر بأنه هو من اعترف بالقدس كاملة عاصمة لدويلة الكيان وهو من منح الجولان للكيان ، وهو لا يُخفي قناعاته بضرورة توسيع جغرافيا الكيان وهو ما ينسجم تمامًا مع الخرافات اليهودية المتمثلة بأرض الميعاد ، هنا التقت رؤيته الامبريالية مع المعتقدات الخرافية اليهودية بإخضاع الشرق الأوسط وتحويله إلى دويلات أو ولايات عربية إبراهيمية محورها ومركزيتها الكيان الصهيو..ني ، كيان يهيمن عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا على هذه الدويلات الإبراهيمية ، أي أن إسرائيل ستكون مسؤولة ومتحكمة بالإقليم الشرق أوسطي لتتفرغ الولايات المتحدة الامريكية الى مشروعها الاكبر والاهم في الشرق الاقصى لتحاصر الصين لتبقى مهيمنة على العالم لقرنٍ قادم ، ومن المؤسف أن هناك أنظمة رسمية عربية وإسلامية منخرطة في هذا المشروع ، ومن العار أنّها عززت تعاونها العسكري والتجاري طوال أشهر الحرب مع هذا الكيان لتصفية وسحق المقاومة ؛ هذه المقومة التي تمثل جدار صد وحماية لكل ما هو عربي وإسلامي وأنساني .
هناك فرصة تاريخية أمام الشعب الفلسطيني خاصةً والقوى النضالية العربية عامةً لإفشال هذا المشروع من جذوره في ظل هذا الزخم والتأييد والمؤازرة العالمية للقضية الفلسطينية ، على الفلسطينيين اليوم وبعد أن أبهروا العالم بصمودهم وبسالتهم وتضحياتهم ان يرصوا ويوحدوا صفوفهم لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وكل مؤسساتها على أُسس وطنية بعيدًا عن المحاصصة والاستئثار بالمناصب والامتيازات وإنما لتحويلها لجبهة وطنية فلسطينية هدفها تحرير الأرض واقامة الدولة الفلسطينية ، إذ لا يُعقل بعد هذه التضحيات ان يستمر الانقسام والشرخ الفلسطيني بينما العالم متحد لنصرتهم ونيل حقوقهم ، على الفلسطينيين مجتمعين مراجعة اتفاقية اوسلو بعيون وطنية بما يخدم ثوابتهم وحقوقهم الوطنية والتخلي نهائيًا عن التنسيق الأمني ومحاسبة المتورطين بها، وهنا لا بد من التذكير بأن الثوار عندما ينعمون بالثروات والامتيازات ويتلذذون بنعيمها فإنهم يتحولون الى لصوص وعملاء وخونه ، أما عربيًا فعلى الشعوب أن تعي المخاطر التي تهددها وفي مقدمتها تغييبها عن المشاركة في حكم أوطانها واستفحال الفساد بأشكاله وأنواعه المختلفة وتجهيل الشعوب وتسفيه ثقافتها الوطنية وتمييع أخلاقها وتبذير الثروات والتفريط بالسيادة الوطنية ، على الشعوب العربية التصدي ومقاومة كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان العنصري الفاشي وعليها إدراك الاخطار التي يشكلها الوجود العسكري الغربي على الأراضي العربي الهادف لخدمة المشاريع الصهيوأمبريالية في الإقليم ، على الاحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني العربية تشكيل تحالف عربي ينقذنا من كل المخاطر والتهديدات .
إن لم نصحو اليوم سنستفيق غدا على أصوات ترانيم حاخامات الدين الابراهيمي من على منابر جوامعنا وسنجد اتباع سموترتش وبن غفير يعلمون أبنائنا الخرافات التلمودية في رياض الأطفال والمدارس ، إن لم يطمر الفلسطينيون خلافاتهم الداخلية ويصطفون منضبطين خلف قيادة وطنية جامعة سيذكرهم التاريخ بأنهم كانوا هنا في فلسطين.