#الثقة بمؤسسات الدولة
الأستاذ الدكتور #أنيس_الخصاونة
#الأردن دولة فقيرة #الموارد قليلة الإمكانات شعبه شعب أبي منتج عزيز كريم جعل من دولته ربما الأفضل والأكثر تقدما من سائر الدول العربية النفطية وغير النفطية، فجامعاته كانت هي الأفضل عربيا وضمت في جنبتاها وأروقتها طلبة من كافة الدول العربية والإسلامية وخريجي هذه #الجامعات منتشرون في سائر الدول العربية ،والمستشفيات الأردنية كانت تشكل قصة نجاح أخرى لما تمثله من مستويات متقدمة في الكفاءة والخدمة الطبية ،أما #القوات_المسلحة_الأردنية فحرفيتها معروفة وهي مشهود لها بأنها أكثر الجيوش العربية مهنية وتشكل بيت خبرة للكثير من الجيوش العربية. المعطيات آنفة الذكر تشكل مصدر اعتزاز كل أردني وما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق لولا مواظبة ونشاط وكد الأردنيين الذين يسطرون بعرقهم وجهدهم تاريخ الأردن الحديث .
الأردنيون مكافحون مجاهدون بسواعدهم يعلون البنيان، ويعمرون السهول والوديان، ويزرعون الجبال بلا كلل ولا تذمر من ضيق ذات اليد أو ارتفاع فواتير الكهرباء والماء والرسوم والضرائب. ما يوجع الأردنيون ويؤلمهم هيمنة فئة أو شريحة من الانتهازيين ومصاصي دماء الشعب على مواقع صنع القرار في الدولة وسيطرتهم على موارد الدولة وتوجيهيها لخدمة مصالحهم وشركاتهم وأقاربهم ومحاسيبهم .هذه الفئة الانتهازية أصبحت تشكل عازلا وحاجزا بين أولي الأمر والقيادة السياسية للدولة وبين الشعب بقواعده الاجتماعية والأكاديمية والعمالية والنقابية والطلابية والحزبية والعشائرية. لم تعد قنوات المعلومات والتغذية الراجعة عن أحوال الناس وأوضاعهم ورضاهم ومعاناتهم ومظالمهم والتجبر بهم من مراكز القوى المسيطرة على المواقع القيادية في الحكومة أو في الديوان الملكي تصل إلى القيادة السياسية ورأس النظام في المملكة. والحقيقية أن المعلومات عن أوضاع الناس وأحوالهم تصل بصورة معكوسة ومقلوبة ولا تحاكي الواقع المعاش للسواد الأعظم من المواطنين مما يزيد من سخط الناس ونقمتهم على مؤسسات النظام السياسي وقياداته العليا وبالتالي تتسع الهوة مع الزمن بين الحكام والمحكومين نتيجة لهيمنة شريحة قليلة من #المتنفذين والمفذلكين من شباب الدجتل وحليقي الرؤوس.
الذي يهدد الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي في الأردن ليس الفقر ،على الرغم من أنه مقلق ومؤذي ويحط من كرامة الإنسان وقدرته على العيش عيشا كريما ، وإنما الظلم وعدم المساواة وهدر أموال الدولة التي تم جمعها كضرائب من جيوب المواطنين ووضع اليد عليها من قبل ثلة من الموظفين وأصحاب الأذرع الطويلة التي تطال المال العام بوجه حق أو بغير وجه حق .نعم هذه الفئة تسرح شرقا وغربا باسم الحكومة والديوان الملكي بعضها يوزع أعطيات ورواتب وبعثات ومنح دراسية ووظائف لشيوخ عشائر ووجهاء مناطق وسواد الناس ممن لديهم مظالم كثيرة وحقوق مهضومة لا يستطيعون الوصول لمراكز القوى ولا للديوان الملكي ولا لرئيس الحكومة.
إن الظلم والاحتقان الشعبي المتنامي نتيجة للتباين الكبير في مستويات المعيشة بين المواطنين في الأغوار والبوادي والأرياف وهوامش المدن وبين فئة البرجوازيين ذوي الصلات القوية مع أولي الأمر يولد ويؤجج السخط الشعبي على النظام السياسي ومؤسساته وقياداته وينبئ باحتمالات كبيرة لاضطرابات وزعزعة للاستقرار السياسي في الأردن. الأردنيون يتحملون الفقر والعوز ويصبرون عليه فقد صبر آباؤنا وأجدادنا على الفقر وقلة الحيلة وشظف العيش وكانوا دوما مع القيادة ما دامت عادلة وقريبة من نبض الناس وحياتهم وهمومهم ،ولكن الأردنيون لم ولن يصبروا يوما على الظلم أو من يمكن ويسهل لفئة متسلطة تعرف من أين يؤكل الكتف أن تنتهز مقدرات الشعب وتحط من كرامات الناس وتكون شلل وشبكات من مراكز قوى التي تمارس السلطة باسم النظام السياسي . الأردنيون يحبون بلدهم ولكن بنفس الوقت كبريائهم عالية وكرامتهم عزيزة ولا يصبرون على الظلم والضيم من يني جلدتهم.
الظلم والاحتقان الشعبي يتنامى أيضا بسبب عدم تطبيق القوانين على الناس بالتساوي، وبسبب #فضائح_الفساد المتعلقة بنهب المال العام، وبسبب تغول الأجهزة الأمنية وتدخلها في الجامعات وتعيينها لرؤساء جامعات يدمروا ما تم انجازه في الماضي ،وبسبب التعيينات في المواقع القيادية في الدولة استنادا لسجلات أمنية وتعاون أمني وليس للكفاءة والجدارة ،وبسبب التدخل السافر لرجالات في الديوان الملكي في إدارة شؤون الدولة ،وبسبب عدم تقديم من تحوم حولهم شبهات فساد للقضاء ،أليس هذا كله والكثير غيره يشكل مصادر لعدم الثقة بمؤسسات الدولة وتنامي السخط الشعبي؟ ألا يشكل الظلم والتهميش للعناصر الوطنية الكفؤة مصدر احتقان وحقد يمكن أن ينفجر في أي وقت وبأي مناسبة ؟ألا يشكل نهب المال العام والإثراء السريع واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب وامتيازات خاصة قنبلة موقوتة يمكن أن تزعزع استقرارنا السياسي ؟ نعم نقولها وللآسف أنه إذا ما استمرت الأوضاع بنفس الوتيرة، واستمر الظلم والتنفع والتكسب من الوظائف العامة من قبل شريحة من الشباب المدعومين المتنفذين، وإذا ما استمر التستر على عناصر الفساد والإفساد في المجتمع ،وإذا ما استمر الإقصاء والتهميش للعناصر المخلصة والجديرة من إشغال المواقع القيادية في الدولة ، وإذا ما استمر تدخل الأجهزة الأمنية في كل مفاصل الدولة فإن استقرارنا السياسي سيكون من الصعوبة بمكان المحافظة عليه وإدامته.