“التعليم أولاً… رؤية ملكية لصناعة المستقبل”

#سواليف

#التعليم أولاً… #رؤية_ملكية لصناعة #المستقبل

أ.د أمجد_الفاهوم

منذ صدور الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني في ربيع 2017، بدا واضحاً أن مستقبل الأردن لن يُبنى إلا على أساس صلب من التعليم النوعي وتنمية الموارد البشرية. فقد حملت الورقة عنواناً صريحاً: تطوير الموارد البشرية والتعليم ضرورة لتحقيق التقدم للأردن، وأرست قناعة بأن المدرسة والجامعة هما مفتاحا النمو والعدالة والقدرة التنافسية. وتعتبر الورقة اطارا نظرياً جامعا اصبح جليا لدى الملك للقيام بمواجهة مباشرة لتحديات تراكمت على مدى سنوات وأنتجت مخرجات تعليمية ضعيفة وغياباً للمهارات التي يحتاجها السوق.

فقد وضعت الرؤية الملكية الإصبع على الجرح حين أكدت أن أي إصلاح سياسي أو اقتصادي سيظل ناقصاً إذا لم تتغير جودة التعليم ونوعية الخريجين. لكن التحدي لم يكن في وضوح البوصلة بقدر ما كان في بطء التنفيذ، وتشتت المبادرات، ومقاومة البيروقراطية لأي تغيير يفرض شفافية ومساءلة. لقد كشفت تجارب السنوات الماضية أن الرؤية وحدها لا تكفي، وأن المجتمع يحتاج إلى آليات مؤسسية تضمن الثبات والمتابعة وتمنع ارتداد الخطط إلى الوراء.

فاليوم، ونحن أمام تسارع تكنولوجي هائل وتغير ثقافي متنامٍ، تبدو الحاجة ماسّة إلى خطوات عملية تعيد الثقة بين المدرسة والمجتمع. الإصلاح المطلوب يبدأ من عقد اجتماعي مصغر للتعليم، يحدد بوضوح المهارات الأساسية التي يجب أن يمتلكها كل طالب، ويُلزم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي بمؤشرات أداء علنية وفق برامج وطنية تعد من قبل خبراء وحكماء لجيل المستقبل. ولا بد من بناء مسارات تعليم مرنة تدمج بين الدراسة النظرية والتدريب العملي، بحيث لا يبقى الشاب أسيراً لشهادة نهائية بل يملك رصيداً من المهارات القابلة للتطوير والانتقال الى مسارات مهنية متنوعة.

ولا ننسى بأن المعلم والأستاذ الجامعي هو في القلب من هذه العملية، والذي يجب أن تُرفع مكانته ويُمنح رخصة مهنية متدرجة وحوافز مرتبطة بالأداء، لأن الإصلاح الحقيقي يحدث داخل الصف. ومن دون محتوى رقمي مفتوح وشفاف، يُتيح للطلبة والمعلمين أدوات تعلم متطورة وقياساً حقيقياً للمهارات، سيبقى التعليم متأخراً عن العصر. فالتكنولوجيا هنا ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لزيادة القراءة والفهم والتفكير النقدي، وإتاحة فرص متساوية بين المدينة والريف والبادية.
كما أن التعليم التقني يجب أن يُقدّم كمسار يفتح أبواب التوظيف وريادة الأعمال، لا كخيار محدود الأفق، عبر شراكات حقيقية مع القطاع الخاص مرتبطة بمؤشرات واضحة لنِسَب التوظيف بعد التخرج. وحين تُطبَّق الإصلاحات بشكل تجريبي أولاً في مدارس مختارة وتُقيَّم بشفافية، فإن المجتمع سيشعر بالطمأنينة تجاه جدواها ويشارك في تحسينها.

غير أن جوهر الإصلاح لا يكتمل من دون مشاركة مجتمعية فعلية. فلا يد من إيجاد مجالس مدرسية مستقلة تضم أولياء الأمور والطلبة ورواد الأعمال قادرة على صناعة قرار تعليمي يعبّر عن حاجات الناس ويمنحهم الثقة. وهذا يتطلب الشفافية في نشر نتائج المدارس وميزانياتها مما يجعل المواطن شريكاً لا متفرجاً. أما على مستوى الدولة، وهو الأهم، فلا بد من إنشاء مجلس وطني مستقل لمهارات المستقبل، يشكل بإرادة ملكية من ذوات مستقلة، يراقب التنفيذ ويقيّم النتائج ويرفع تقارير علنية تقيس النجاح بما هو بسيط وملموس: هل تعلّم الطلبة أفضل؟ هل وُظف الخريجون أسرع؟ وهل زادت ريادة الأعمال بين الشباب؟ ….؟؟؟؟؟

إن الورقة السابعة لم تكن مجرد وثيقة ملكية، بل خريطة طريق تستنهض الجميع للعمل. فالتعليم ليس ملفاً إدارياً يُترك للوزارة وحدها، بل قضية وطنية تمس كل بيت أردني. وإذا ما تحولت الرؤية إلى أفعال، فإنها ستُترجم في عينَيّ طالب يقرأ بطلاقة، وخريج يجد عملاً كريماً، ومعلم يفتخر بمهنته، واقتصاد تتحرك عجلاته بكفاءات أردنية قادرة على المنافسة والإبداع تعبر عن الثمار التي حلم بها جلالة الملك ويعمل على تحقيقيها سمو ولي عهده الأمين، وتلك هي الدعوة العاجلة التي لا تزال تنتظر منّا جميعاً أن نترجمها إلى واقع حي نابض بالأمل.

Prof. Dr. Amjed Al Fahoum

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى