
#التشدد_الإسلامي
مقال الإثنين: 5 / 5 / 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه .
ارتبط مفهوم التشدد في الأذهان بالإسلام، فلا تسمع عبارة مسيحي متشدد أو قومي متشدد أو حتى ملحد متشدد!. لماذا يا ترى؟.
لوعدنا إلى أصل المفهوم، لوجدناه: يعني موقفا فكريا يتسم بالتصلب والتزمت والمبالغة، وهو ليس مرتبطا بعقيدة محددة ، لكنه يغدو سمة فارقة للشخص المتصف به، يصبغ فهمه للأشياء فيعطيها مفهومه، فيظهر للمراقب وكأن التطرف سمة المعتقَد وليس الشخص المعتقِد.
والملاحظ أنه دائما ما يتسم الشخص المتشدد بالشك في نوايا الآخرين، وهي حالة نفسية أساسها عدم الثقة بالنفس، وتنتج الغلو والتطرف في فهم كل شيء ومنها الدين، فيبتعد عن منطوق المعتقد بدرجة تتناسب عن البعد عن نقطة المركز التي يتركز فيها مفهوم ذلك المعتقد.
لكن السؤال الهام: لماذا ارتبط كل ذلك بالإسلام حصرا رغم أنه ممكن في كل المعتقدات؟
السبب الرئيس هو في الطبيعة البنيوية للإسلام، فهو ليس مجرد معتقد فردي، بل هو مشروع عالمي يستهدف تنظيم العلاقات بين البشر بينيا، وبينهم وبين سائر الموجودات، وبهدف إسعاد الناس وحل جميع مشكلاتهم.
إذن هو ليس مجرد فكرة أخلاقية أو جمالية، ولا يتوقف عند تفسير فلسفة الوجود، بل يتدخل في حياة البشر، بهدف تحقيق المساواة والعدالة، ولما كان هكذا فسوف يصطدم بالعديد من مصالح الطامعين، ويتعارض مع كثير من الرغبات الشخصية واتباع الشهوات المحرمة، ويحد من معظم النوازع الأنانية.
من سيتقبله ويؤمن به هم العامة والمقهورون والمظلومون لأنه سينصفهم، أما من سيرفضه فهم كل المتضررين جراء ذلك، وبالطبع فلن يقفوا منه موقف اللا مبالاة، ورغم أن هؤلاء ليسوا أغلبية إلا أنهم الأقوى والأقدر على التأثير فهم يمتلكون النفوذ والمال والسلطة والإعلام ، التي تستطيع قلب المفاهيم.
السبب الثاني أن الإسلام متاح دخوله لأي شخص، وليس له قيادة كهنوتية يحتاج إلى موافقتها، بل مجرد نطق الشخص بالشهادتين يتيح له أن يختار مرتبته، وتحقيقه لمتطلبات التحصيل العلمي هي المتطلب الوحيد للإرتقاء، وتمكنه من التفسير والإجتهاد وحتى الإفتاء، ولا شك أن لذلك مخاطر أيضا، في الفهم الخاطيء عند البعض أو المغرض عند البعض الآخر.
السبب الثالث هو ردة الفعل المعاكسة لدى من يحسون بشراسة الحرب التي يشُنُّها معادو الإسلام، لتظهر بتطرف مضاد مساو له في المقدار ومعاكس في الإتجاه، ولما كان هؤلاء المعادون يمتلكون وسائل الإعلام والإتصالات فهم يبرزون رد الفعل فقط ويخفون الفعل الذي قاد الى ذلك، وعليه يظهر وكأن الدافع للتطرف هو طبيعة التشدد وأنها نابعة من منهج شرير.
كل ماذكرنا تفسير لنشوء التشدد وليس تبريرا له، فالأصل أن الإسلام دين الرحمة واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يوجد نص شرعي واحد يدعو إلى إكراه الناس على اتباعه، بل تجد عددا هائلا من النصوص ترفض التشدد والتطرف:
1 – أسلوب الدعوة محدد بقوله تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..” [النحل:125]، وليس مطلوبا إجبار الناس على اعتناق الإسلام: “لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ” [البقرة:262].
2 – طبيعة المنهج الإعتدال، فلا تشدد ولا تفريط، وذلك أحد معاني الوسطية الوارد في قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا” [البقرة:143].
3 – ليس الغلو والتشدد من الدين في شيء، وقد أظهره أسلوب التعامل اليومي للنبي صلى الله عليه وسلم، فما عرض عليه أمران إلا اختار أيسرهما، وقال: “إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم غلوهم في الدين”، كما قال: “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”.
الخلاصة : يتبين لنا أن طبيعة الدين هي الإعتدال في كل شيء حتى في العبادة، لأن المبالغة في أي شيء تفسده، فالحليب إن سخنته حتى درجة 70 م حفظته، لكن إن زاد ذلك عن ذلك أفسدته، وإن قلّ لم ينفعه.
وكذلك فإن التشدد والغلو والتطرف منفر طارد لمن لديه نية لدخول الدين، زيادة على أنه مفسد للدين ذاته، وإن الفِرق والمذاهب التي أفرطت في ذلك اعتقادا أنه دلالة على عمق الإيمان، لم تؤد أفعالها إلا إلى الإضرار بالدين، واستخدمها أعداؤه ذريعة للنيل منه والصد عنه.