سواليف
قرابة ثلاثة أشهر مضت على بدء المظاهرات الغاضبة في محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، مظاهرات امتدت من البصرة لتشمل بقية محافظات الوسط والجنوب، لم تفلح الحكومة العراقية، رغم الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، من تحقيق مطالب المتظاهرين المتمثلة في توفير فرص العمل والخدمات من ماء وكهرباء، ولم تفلح في إقناع المتظاهرين بالكف عن التظاهر؛ لتتخذ المظاهرات يوم الثلاثاء الرابع من سبتمبر (أيلول) الجاري منحنىً خطيرًا تمثل في خروج أوضاع المدينة عن السيطرة، ومقتل وجرح العشرات من المتظاهرين. الأسطر التالية تقرأ في أحداث البصرة وأسبابها وسخط المتظاهرين على الأحزاب الحاكمة.
ماذا حدث في البصرة؟
مع تصاعد حدّة الغضب الشعبي في محافظة البصرة، تظاهر المئات في المدينة يوم الاثنين الثالث من سبتمبر الماضي، تنديدًا بسوء أحوال المدينة وانعدام الخدمات، وقفت بالضد منها قوات الأمن العراقية واستخدمت القوة في محاولة منع التظاهرات؛ ما أدى إلى مقتل شاب بصري يدعى مكي ياسر، ومع تشييع المتظاهرين لجثمان القتيل في اليوم التالي الثلاثاء الماضي الموافق الرابع من سبتمبر، عادت القوات الأمنية لتستخدم القوة مجددًا؛ في محاولة منها لفض التجمع الجماهيري المحيط بمسيرة الجثمان؛ ما أدى إلى تصاعد غضب المتظاهرين واتجاههم إلى المنطقة التي تقع فيها مقرات الحكومة المحلية ومجلسها وسط المدينة، مع تصاعد حملة الاعتقالات للناشطين والمشاركين في المظاهرات، وهنا بدأت قصة يوم الثلاثاء الدامي في المدينة.
اتجه المتظاهرون الغاضبون إلى مقرات المؤسسات الحكومية وسط المدينة، ليفاجأوا بقوات الأمن التي استخدمت ضدهم قنابل الدخان وقنابل الغاز المسيل للدموع، ومع تصاعد التوتر بين أفراد القوات الأمنية العراقية والمتظاهرين، استخدمت القوات الأمنية القوة لتفريق جموع الغاضبين، وقنصت عددًا من المتظاهرين؛ الأمر الذي أدى إلى مقتل ستة أشخاص وجرح العشرات، ليتجه المتظاهرون بعدها إلى اقتحام مبنى مجلس المحافظة وإحراقه، وإثر هذه الأحداث، فرضت قيادة عمليات البصرة حظرًا شاملًا على التجوال في المدينة طيلة ليل الثلاثاء والأربعاء.
الناشط المدني الذي عرف عن نفسه باسم محمد جواد، قال في حديثه لـ«ساسة بوست» إن القوات الأمنية استخدمت القوة القاتلة ضد المتظاهرين، وإن استفزاز تلك القوات، خاصة قوة «سوات»، دفعت المتظاهرين إلى اقتحام مبنى مجلس المحافظة وإحراقه. أضاف جواد أن المظاهرات لن تتوقف ما لم تتحقق مطالب البصريين، وأنه بدلًا عن أن تحقق الحكومة مطالب المتظاهرين وتوفر فرص العمل والخدمات، باتت أوضاع المدينة مزرية بعد تسمم أكثر من 7 آلاف بصري نتيجة تلوث المياه بالأملاح والبكتيريا، بحسبه.
وعقب يوم دام، شهدت البصرة الأربعاء الخامس من سبتمبر خروج تظاهرات جديدة في مناطق مختلفة من المحافظة؛ إذ تظاهر عشرات المواطنين في ناحية الهارثة شمال البصرة، وأغلقوا الطريق الدولي السريع بين العاصمة بغداد ومركز مدينة البصرة؛ ما ينذر باستمرار المظاهرات في المحافظة.
لماذا لم تهدأ المظاهرات في البصرة؟
لم تفلح الحكومة العراقية – رغم إطلاق بعض التخصيصات المالية للبصرة – في ثني المتظاهرين عن الاحتجاج، ويقول الكاتب الصحافي عبد الكاظم الجابري: «لم تستطع الحكومات بعد 2003 تلبية أدنى حقوق المواطنين، وانشغلت الأحزاب المتنافسة سياسيًا، والممثلة في الحكومة، بالتخاصم والتهاتر وعقد الصفقات، واعتبار العراق غنيمة بأخذ العمولات»، الجابري أضاف أن الفشل الحكومي ولد سخطًا مجتمعيًا كبيرًا لدى العامة، وإن استمرت الحكومة في التسويف والمماطلة، وما لم تتم معالجة هذا الفشل، فإن ذلك سيفضي إلى منزلقات لا تحمد عقباها، بحسب الجابري.
أستاذ العلوم السياسية محمد خالد يقول في حديثه لـ«ساسة بوست»: «إن الحكومات العراقية ومنذ عام 2003 لم تقدم شيئًا للمجتمع العراقي، بل كانت برامجها الحزبية والطائفية شرارة بدء الفتنة بين مكونات الشعب، وبدل عن أن تستثمر هذه الحكومات الميزانيات الانفجارية بعد الغزو، عمدت إلى نهب ثروات الشعب العراقي وإفقاره»، ويضيف خالد: إن «هذه الحالة ولدت خذلانًا شعبيًا تجاه الحكومات بعد 15 عامًا على الغزو الأمريكي للبلاد، وبدل عن أن تنسي الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد سنوات القهر والفقر التي عاشها الشعب العراقي إبان الحصار الاقتصادي الدولي على العراق بعد حرب الخليج الثانية، بات الشعب ينادي بتلك الأيام، التي كان ينعم فيها بالأمان والخدمات الأساسية، وأقلها الماء الصالح للشرب»، بحسبه.
خالد أوضح أن السياسة التي اتبعها حكام العراق بعد 2003 كانت تعوّل على بقاء سطوتهم على الشعب من خلال التحكم الطائفي بشرائح المجتمع العراقي، وخاصًة لدى الشيعة الذين بات ساستهم يقودون أغلب مفاصل الدولة بعد الغزو، منوهًا إلى أنهم – أي السياسيون – لم يدركوا أن العقل الجمعي للشعوب يتغير بتغير الظروف والحالة المعيشية التي يكابدونها، وهذا ما أدى إلى خروج المظاهرات المناوئة للحكومة في وسط وجنوب البلاد، بحسبه.
النائب في البرلمان العراقي مزاحم التميمي أوضح أن تحقيق بعض مطالب أهل البصرة يحتاج لسنوات. التميمي أشار إلى أن معالجة شح المياه وتلوثها في البصرة، والذي يعد أحد أهم مطالب البصريين، يعد أمرًا شائكًا ويحتاج إلى جهد من الحكومة المركزية، فضلًا عن الحاجة إلى إدارة قوية لتوظيف وإدارة المشاريع التي وعدت الحكومة بتنفيذها.
وضرب التميمي مثالًا عن تلك المشاريع التي وعدت الحكومة بتنفيذها، ومنها محطة تحلية المياه الكبرى التي تصل قدرتها إلى مليوني لتر يوميًا؛ إذ أوضح أن هذا المشروع يحتاج إلى ثلاث سنوات من العمل، في حال استطاعت الحكومة توفير التخصيصات المالية اللازمة للمشروع، بحسبه.
سخط شعبي على الأحزاب الإسلامية الحاكمة
تصاعد موجة الاحتجاجات في العراق، زاد من نقمة العراقيين على الأحزاب الإسلامية الحاكمة. الصحافي العراقي رغيد الحيالي أشار في حديثه لـ«ساسة بوست» إلى أن المتظاهرين، وشعاراتهم في عام 2018، ليست مثل الشعارات التي كانت في الأعوام الماضية.
الحيالي أوضح أن المتظاهرين في وسط وجنوب العراق باتوا ينددون علنًا بالأحزاب الإسلامية الحاكمة، وخاصًة «حزب الدعوة» الذي تبوأ ثلاثة من قادته منصب رئاسة الوزراء خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية، وأشار إلى أن الشعب بات يدرك جيدًا أن هذه الأحزاب اتخذت الدين غطاءً لتمرير سياساتها والفساد الذي يعتري سنوات حكمها، مؤكدًا أن المزاج الشعبي العام في العراق تغير في اتجاه لا يصب في مصلحة الأحزاب الإسلامية بمختلف طوائفها، بحسبه.
اتجهت عدة أحزاب إسلامية إلى الدعوة للمدينة بعد تزايد السخط الشعبي عليها، وفي هذا الصدد يقول الكاتب الصحافي الدكتور ماجد السامرائي: «ليس من الغريب أن تتحول أحزاب الإسلام السياسي في العراق من قوقعة تمسّكها بالخطاب الديني الطائفي إلى فضاء المدنية، وهذا لم يحصل نتيجة مراجعة فكرية وسياسية لما أنتجه هذا الخط من مصائب ونكبات للعراقيين، وإنما لإعادة تموضع تلك الأحزاب بما يمرر مخادعة جديدة ضد الوعي الشعبي تجاه التيارات الدينية المذهبية، ومحاولة التحرر من تلك القوالب التي أضرت النسيج الاجتماعي العراقي».
من جانبه أشار المفكر الإسلامي عبد الستار جاسم إلى جملة من الأسباب التي أدت إلى فشل الأحزاب الإسلامية في الحكم، ولعل أهمها التحكم الفردي في أغلب الأحزاب الإسلامية في العراق، جاسم أوضح أن غالبية الأحزاب الإسلامية في العراق تتحكم بشكل فردي بالسلطة؛ الأمر الذي أدى إلى فشلها، منوهًا إلى أنه لا صحة لمن يدّعي أن بقاء الأحزاب الإسلامية على ثوابت الدين أدى بها إلى الفشل، ذلك أن هذه الأحزاب وبمختلف مشاربها أخذت الجزئيات الإسلامية التي تتفق مع مصالحها فقط، دون مراعاة بقية النواهي والواجبات المناطة بها، بحسبه.
وكالات