سواليف
في عام 1991 انفجر بركان ” #بيناتوبو” في الفلبين وهو واحد من أقوى البراكين في العصر الحديث، أطلق #البركان مع ثورانه كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت (SO2) إلى #الغلاف_الجوي، مما أثر على مناخ الكرة الأرضية لعامين متتاليين.
يُعتقد أن ذلك كان له تأثير مباشر على دول الشرق الأوسط، و تمثّل ذلك بمنخفضات قطبية و #تساقطات_ثلجية مُتكررة على غير العادة، بحسب بيانات طقس العرب، فهل #انفجار #بركان_تونغا الذي حدث مؤخرا، سيتسبب بظاهرة التبريد العالمي الناتجة عن البراكين، ويؤثر بشكل مباشر على دول #شرق_المتوسط، إليكم التفسير في المقال التالي .
انفجار بركان تونغا كان الأقوى منذ ثلاث عقود
انفجر بركان “تونغا” يوم 15 كانون الثاني (يناير) 2022، مطلقا عمودا هائلا من الدخان والرماد الذي غطى معظم أرجاء البلاد، وتسبب في حدوث موجات مد عاتية (تسونامي) تسببت في مزيد من الضرر لهذه الدولة الواقعة على جزيرة في المحيط الهادئ، كما أحدث الإنفجار موجة الصدمة (shockwave) التي أدت إلى حدوث اضطراب في قيم الضغط الجوي حول العالم.
وصفت الحكومة المحلية الانفجار بأنه “كارثة غير مسبوقة”، على الرغم من الصعوبة التي واجهتهم في تحديد النطاق الكامل للضرر لأن الانفجار عزل البلاد بعد أن قطع كابلات الاتصالات السلكية واللاسلكية تحت سطح البحر وأجبر الرماد مطارات تونغا على الإغلاق.
ما سبب هذا الانفجار الهائل للبركان؟
ارتبطت قوة الانفجار جزئيًا بموقع البركان الذي يقع على عمق ضحل (حوالي 200 متر تحت الماء)، وعندما تصطدم الصهارة البركانية فائقة الحرارة بمياه البحر، يتحول الماء على الفور إلى بخار (غاز)، مما يضاعف قوة الانفجار عدة مرات، ولو كان أعمق من ذلك بكثير، لتمكن ضغط الماء من تخفيف الانفجار.
ما هي آثار ثوران بركان تونغا على #الغلاف_الجوي؟
هناك عدد من الآثار المباشرة والثانوية. أولاً، ارتفع عمود الدخان البركاني إلى حوالي 30 كيلومترًا، ووصل إلى طبقة الستراتوسفير وهي الطبقة الثانية في الغلاف الجوي والتي تقع فوق الطبقة التي تحدث فيها تقلبات الطقس، وقد رصدت الأقمار الاصطناعية المشغلة لدى مركز طقس العرب قوة الانفجار والسحابة البركانية، وأثناء ارتفاع الدخان وامتداده في الغلاف الجوي أنتج عددا كبيرا من ومضات البرق بلغت 400 ألف ومضة في غضون ساعات قليلة.
هذا الارتفاع الهائل لعمود الدخان حقن كميات هائلة من المواد البركانية في الستراتوسفير ، بما في ذلك غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO2) وهو غاز له تأثيرات مناخية كبيرة، حيث يعكس (SO2) الإشعاع الشمسي بعيدا عن الأرض، وبالتالي يمكن أن يكون له تأثير تبريد على النظام المناخي، خاصة عندما تكون الانفجارات البركانية في المناطق المدارية، حيث يتم امتصاص الجزء الأكبر من الإشعاع الشمسي الوارد للأرض.
(صورة من الفضاء لسحابة الدخان (تظهر باللون الرمادي) الناتجة عن ثوران بركان تونغا)
تشير التقديرات الأولية المُتابعة لدى مركز طقس العرب، إلى أن عمليات نفث ثاني أكسيد الكبريت كانت أقل بكثير مما حدث في بعض الانفجارات البركانية التاريخية الكبرى الأخرى بما في ذلك بركان “بيناتوبو” في الفلبين وإل شينشون (El Chichón) في المكسيك، إذ من المحتمل أن نرى تأثيرات مناخية أقل.
عندما ثار بركان “بيناتوبو” في الفلبين في عام 1991 استمر لعدة أيام، مرسلاً حوالي 20 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير، هناك، يتحد الغاز مع الماء لتكوين جزيئات الهباء الجوي التي تعكس وتشتت بعض أشعة الشمس ، مما يمنعها من الوصول لسطح الأرض، أدى هذا إلى تبريد الغلاف الجوي بنحو نصف درجة مئوية لعدة سنوات.
و قد رصدت صور الأقمار الاصطناعية تحرك سحب كثيفة من غاز ثاني أكسيد الكبريت SO2 إلى مناطق واسعة من المحيط الهندي
موجة الصدمة الهائلة التي أعقبت الثوران البركاني
عملت موجة الصدمة الهائلة الناتجة عن انفجار بركان “تونغا” على ضغط الهواء في الغلاف الجوي وانتشرت بسرعة الصوت وسافرت حول العالم مرتين على الأقل، كانت موجة الضغط واضحة على شكل ارتفاع ثم انخفاض في قراءات الضغط الجوي، وقد سجلت المحطات التابعة لمركز طقس العرب ومحطات الرصد في العالم هذا الاضطراب في الضغط الجوي عدة مرات، حيث سافرت الموجة شرقا وغربا وعبرت العالم وعادت. انتج ثوران بركان “كراكاتوا” في عام 1883 موجات صدمة مماثلة، لكن كانت هذه المرة في عصر الأقمار الصناعية عالية الدقة التي التقطت تقدم الموجة بتفاصيل مذهلة.
قال كوروين رايت ، عالم فيزياء الغلاف الجوي بجامعة باث في إنجلترا ، إن الانفجار أنتج موجة صدمة في الغلاف الجوي كانت واحدة من أكثر الموجات غير العادية التي تم اكتشافها على الإطلاق. أظهرت قراءات الأقمار الصناعية أن الموجة وصلت إلى ما هو أبعد من طبقة الستراتوسفير ، بارتفاع يصل إلى 60 ميلاً ، وانتشرت حول العالم بسرعة تزيد عن 600 ميل في الساعة.
الصورة التالية تبين استمرار دوران موجة الصدمة حول العالم حتى بعد عدة أيام من الانفجار:
تسببت قوة الانفجار في إزاحة كميات هائلة من الهواء عاليا في الغلاف الجوي، ولكن بعد ذلك سحبته الجاذبية للأسفل، ثم ارتفع مرة أخرى، واستمر هذا التذبذب إلى أعلى وإلى أسفل، مما خلق موجة من الضغط المتناوب في ضغط الهواء بين الارتفاع والانخفاض.
أمواج تسونامي غير عادية
قد تكون موجة الضغط الجوي هذه لعبت أيضًا دورًا في حدوث أمواج تسونامي غير عادية.
تتولد موجات تسونامي عن طريق الإزاحة السريعة للمياه ، عادة عن طريق حركة الصخور والتربة، كما يمكن للصدوع الكبيرة تحت الماء أن تولد تسونامي عندما تتحرك وتتسبب في حدوث زلزال.
يمكن أن تسبب البراكين موجات تسونامي أيضًا. في هذه الحالة، ربما تسبب الانفجار تحت الماء وانهيار فوهة البركان في نزوح كمية من المياه وحدوث تسونامي، لكن وفقا للعلماء هذا لن يفسر سوى حدوث التسونامي المحلي الذي غمر تونغا، حيث تتلاشى هذه الطاقة مع المسافة.
لكن هذا الحدث تسبب في موجات تسونامي بنفس حجم الموجة المحلية تقريبًا، وعلى مدار ساعات عديدة، في اليابان وتشيلي والساحل الغربي للولايات المتحدة، وتسبب في النهاية في حدوث موجات تسونامي صغيرة في أحواض أخرى في أماكن أخرى حول العالم.
هذه علامة على أنه أثناء انتقال موجة الصدمة عبر الغلاف الجوي، أثرت على مياه المحيط مما تسبب في تأرجحها أيضًا.
تأثير انفجار بركان تونغا على الطقس
على الرغم من أن انفجار بركان تونغا كان أكبر ثوران بركاني في العالم منذ ثلاثة عقود، إلا أنه من غير المحتمل أن يكون له تأثير تبريد مؤقت على المناخ العالمي، كما حدث في انفجارات هائلة في السابق، لكن قد تكون هناك تأثيرات قصيرة المدى على الطقس في أجزاء من العالم وربما اضطرابات طفيفة في الإرسال اللاسلكي، بما في ذلك تلك المستخدمة في أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS).
قال الدكتور رايت إنه على الرغم من أن الموجة حدثت عالياً في الغلاف الجوي، فقد يكون لها تأثير قصير المدى على أنماط الطقس الأقرب إلى السطح، وربما بشكل غير مباشر من خلال التأثير على التيار النفاث (Jet Stream).
مؤشرات على تغير الأنماط الجوية بشكل سريع و مفاجئ عقب البركان
يُشير المختصون في مركز طقس العرب بأن الأنماط الجوية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية قد تغيرت بشكل مفاجئ و سريع عقب البركان و بشكل يشبه نفس التأثيرات التي حدثت في الماضي على إثر انفجار البراكين القوية كتلك التي حدثت في شتاء عام 1991/1992، بعد انفجار بركان “بيناتوبو” الذي تم ذكره آنفاً.
و يقول المختصون في مركز طقس العرب بأنه بُعيد مُنتصف شهر يناير/كانون ثاني 2022 (أي بعد الانفجار البركاني في تونغا) تم رصد تشكل لمرتفعات جوية قوية للغاية في غرب و جنوب غرب القارة الأوروبية مُسببةً أجواءً مستقرة للغاية على غير العادة في تلك المناطق، و أجبرت تلك المُرتفعات الجوية القوية الكتل الهوائية المُندفعة من القطب الشمالي (الكتل الهوائية القطبية) بالدوران حول تلك المُرتفعات واحدة تلو الأخرى و الاندفاع إلى مناطق جنوب شرق القارة الأوروبية و مناطق الشرق الأوسط في مشهد يشبه إلى حد كبير ما حدث في شتاء 1991/1992.
وتسببت تلك الاندفاعات القطبية إلى حدوث عواصف ثلجية تاريخية على الأراضي التركية و اليونانية و البلقان و تأثرت مناطق الشرق الأوسط بموجات برد قارسة و تساقطت الثلوج في العديد من المناطق بما فيها مناطق صحراوية مثل شمال المملكة العربية السعودية و شبه جزيرة سيناء بالإضافة إلى أجزاء عِدّة من بلاد الشام.
و يرى المُختصون في مركز طقس العرب بأنه لا يُمكن اعتبار هذا التغير في أنماط الطقس و الاندفاعات القطبية المُتتالية دليلاً دامغاً بأنها بسبب البركان إلا أنهم عبروا عن استغرابهم من انقلاب فصل الشتاء في مناطق المشرق العربي من فصل شتاء خامل قليل الفعاليات المطرية و الثلجية إلى فصل شتاء نشط جداً و أبرد بكثير من المُعدلات الطبيعية و هذا بدوره ما يثير الشك لديهم بأنه قد يكون للبركان أثراً مُباشر أو غير مُباشر لتلك التغيرات المفاجئة.
المزيد من الإندفاعات القطبية الباردة على الشرق الأوسط و جنوب شرق القارة الأوروبية
مما يدعم هذه الشكوك، بأن الخرائط الجوية الخاصة بمُحاكات تحركات الكتل الهوائية في نصف الكرة الشمالي و التي يتم إجرائها (إجراء المُحاكاة) عبر حواسيب فائقة القدرة في مراكز مناخية عالمية ما زالت تُشير إلى استمرار سيطرة مرتفعات جوية عِدّة على نحو غير مُعتاد في مناطق واسعة من القارة الأوروبية بشكل يؤدي إلى استمرار تأثر الشرق الأوسط و جنوب شرق القارة الأوروبية بالمزيد من الإندفاعات القطبية الباردة التي قد تُفضي في نهاية الأمر إلى حدوث حالات مطرية و ثلجية عِدّة في المنطقة و استمرار سيطرة الأجواء الأبرد من المُعتاد عليه.
و يُضيف المختصون في المركز، بأنه و في حال استمر الحال على ما هو عليه في شهر آذار/مارس 2022 و أيضاً في ربيع هذا العام، فإنه سيكون مما لا شك فيه بأنه هذا البركان قد قلب الموازين و أثر بشكل مباشر على طقس و مناخ الكرة الأرضية و إن كان لفترة زمنية قصيرة نسيباً.
النشرة الجوية الشهرية للأردن لشهر فبراير/شباط 2022 من هنا
بركان “بيناتوبو” وشتاء 1991/1992 العاصف بالثلوج على مناطق المشرق العربي
بالعودة إلى تأثيرات بركان بيناتوبو في عام 1991، فإن دول العالم قد عانت من تغييرات جذرية في أنماط الطقس في الأعوام التي تلت هذا الانفجار البركاني الهائل. ففي فصل شتاء 1991/1992 تأثرت مناطق المشرق العربي بما فيها بلاد الشام بسلسلة مماثلة لعواصف قطبية و ثلجية ترسخت في ذاكرة العديد من سكان هذه المناطق إلى درجة تسمية تلك السنة بـ (سنة الـ 7 ثلجات) في بلاد الشام و أصبحت نقطة تاريخة فارقة في مواسم الشتاء.
و انخفضت درجة حرارة الكرة الأرضية ككل لمدة عامين عقب هذا البركان و تباطئ الاحترار العالمي بشكل ملحوظ لعِدّة سنوات بالرغم من أن مثلاً دول أوروبية عديدة قد عانت من جفاف و ارتفاع على درجات الحرارة عن المُعدلات إلا أن ذلك أدى في ذات الوقت إلى أن تُسافر كتل قطبية بشكل بعيد جداً عن مواطنها المُعتادة بل و اقتربت في العديد من المرات إلى مناطق قريبة من خط الاستواء.
صيف (1991/1992) كان عاما “بلا صيف” في استراليا
و في صيف نصف الكرة الأرضية الجنوبي (1991/1992) عانت أستراليا من انخفاض لافت على درجات الحرارة الصيفية لدرجة أن بعض السكان المحليون قد أطلقوا تسمية (السنة التي جاءت بدون فصل صيف) في تلك المناطق.
و عند النظر إلى أحوال الطقس في القارة الاسترالية في هذه الأوقات (صيف 2021/2022) فإننا نجد أن صيف هذا العام في تلك المناطق بدأ حاراً على نحو غير مُعتاد إلا أنه بعد الانفجار البركاني الذي حصل مؤخراً في تونغا تغيرت أنماط الطقس هناك ليُصبح الصيف هناك مقبولاً و بدرجات حرارة أبرد من المُعدلات مما يزيد من الفرضيات بأن هذا البركان الهائل قد أثر فعلاً على الطقس حول العالم بشكل يشبه إلى حد كبير تأثيرات بركان بيناتوبو عام 1991.
بركان (El Chichón) وشتاء بارد و مُثلج في الشرق الأوسط
مما يجدر ذكره بأن بُركاناً آخر قد تسبب في تغيير مناخي ملحوظ كان في العام 1982، وهو بركان “إل شينشون” (El Chichón) في المكسيك في المكسيك، و يُعتبر من البراكين ذات القوة الانفجارية الكبيرة، و قد تسبب في أنماط جوية شبيه إلى حد كبير بتلك التي حدثت في فصل شتاء 1991/1992، حيث جاء فصل شتاء 1982/1983 بارداً و مُثلجاً في الشرق الأوسط و جنوب شرق القارة الأوروبية و بتمركز مرتفعات جوية قوية في القارة الأوروبية مما يعزز فرضيات بأن لتلك البراكين تأثير مباشر على الانماط المناخية و الجوية في الكرة الأرضية بشكل متشابه، الأمر الذي يُؤثر بشكل مشابه أيضاً على الطقس في الشرق الأوسط و بلاد الشام في حال حدثت.
الأمر الوحيد الذي يُثبت فرضية بأن بركان تونغا بالفعل قد عمل على تغيير مناخي مُصغّر و أثر على أنماط الطقس لهذا العام هو الوقت، فما سيحصل في قادم الأيام سيؤيد أو يدحض هذه النظريات و الفرضيات، و في ذات الوقت، يقوم العديد من العلماء و النُشطاء حول الكرة الأرضية في هذه الأوقات بدراسة فيما إذا كان هذا البركان قد أثر بالفعل على أنماط الطقس أم لا.