#الاعياد إجتماعيا والكترونيا..لِمن الغلبة والمستقبل..؟
ا.د حسين محادين
(1)
#العيد المقدس لغة مأخوذ من العودة والتكرار الموسمي عند كل شعوب الارض باختلاف معتقداتهم الدينية المقدسة بالنسبة لمعتنيقي الاديان السماوية على هذه البسيطة.
(2)
لدينا ايضا اعياداً وضعية “من وضع البشر ” جراء تفكرهم وانحيازهم لذواتهم وحرياتهم الفردية والمصالحية، حيث يتم التوافق على اعتمادها وانتشارها بينهم، والتزام اغلبهم بمضامينها الرمزية والمادية وبالتالي السلوكية لأماكن سكنهم مثل عيد الام، عيد الحب بالنسبة لجُل للناس والاقوام كبشر ؛ اما عيد النيروز- عيد الربيع فهو الإحتفاء الجمعي بخِصب وولادات الارض/الأم الموسميتان كذلك، وانطلاق تجددهما بسيادة اللون الأخضر الذي اصبح رمزاً للتفاؤل في داخل الانسان على وجهه ارضه.
(3)
أن كلا النوعين من الاعياد “المقدسة والوضعية” انما هما اداة تعبيرية معلنة ووجدانية عميقة لفرح الناس كجموع، وتميزا لهوية معتقداتهم كذلك ، فلكل عيد منهما ما يبرر إعتماده والاحتفال الموسمي بقدومه سنوياً ، ولعل الجامع المشترك بين الاعياد البشرية هو فكرة اللمِة او الجمعةِ التي تحقق انسانية الانسان كقائد ومعمر لقيم الحياة المشتهاة وبالضد من معاني الموت المختلفة، فالأعياد محطات نفس اجتماعية وثقافية ملزمة لاصحابها، تسعى الى تقوية النسيج الاجتماعي والحياتي الأرحب عبر تضامن المحتفلين ضمنا بكل عيد، وتعُيد ايضا شحن بطرية الوجدان الشعبي والكتلي بالقوة والتكاتف الثقافي والفرائحي المشترك وظيفيا كما يفترض؛ وبالضد من تحديات الطبيعة المهددة لحياة الانسان في دورة حياته التي تعني ” مسيرة الانسان من ميلاده حتى وفاته”.
كما تهدف الاعياد وبمختلف مسمياتها الى إعلاء قيم الفرح الجمعي بها، وتبادل المنفعة النفسية عبر اشكال المحبة الصادقة المبثوثة من خلال ؛ تبادل التهاني من المصافحة وحتى القُبل ، والتعارف بين اجيال الملة المحتفلة ، والسعي الضمني للحفاظ على توارث الطقوس والعادات الخاصة بكل مجموعة تم توافقها على ان يكون هذا اليوم او ذاك من ايام السنة عيدا لهم، وبغض النظر عن اي شريحة او طائفة او لغة نتحدث سواء أكانت متدينة أم غير متدينة على حد سواء.
(3)
في الاعياد منافع اقتصادية متبادلية عبر توزيع حركة المال بصورة مباشرة مع ملاحظة الفروق الاقتصادية والثروة بين المعيدين، مثل توزيع العيديات النقدية بصورة متبادلة، او من خلال تبادل السلع الغذائية او الاستهلاكية المشتراة من الأسواق كهدايا في هذا العيد او ذاك كعيد الام وعيد الحب معا..وغيرهما.
فلكل مجموعة مُحتفلِة من معتيقي هذه الاعياد مواعيد معلنة ومتكررة الحدوث موسمياً فاصبحت احدى السمات المميِزة لهوية هذه المجموعة او تلك، بعد ان تم التوافق على دلالاتها ومنافعها المختلفة لدى اصحابها وفقا لخصوصية وثقافة كل منها.
(4)
ولعل ما يهدد مضامين الاعياد ومبررات استمراريتها بالمعنى الاجتماعي الوجاهي”وجها لوجه” هو سيادة وتأثيرات التكنولوجيا كأيدلوجيا طاغية، وانتشار القيم والحريات الفردية معاً بين افراد أسرنا وفي الحياة المعاصرة هذه الايام، فقد تضاءلت فرص او حتى الرغبة لدى معظمنا في الالتقاء الوجاهي مع الأخرين وان كانوا اقراباء لنا، خصوصا مع تزايد الخوف الجمعي من خطورة جائحة كورونا المعولمة، بما في ذلك من هم/ن ضمن دائرة صلة الرحم ترابطاً مع تراجع الكثافة الدينية اصلا وأثرها الأخذ في الذبول ضمن عناوين الحياة المادية والرقمية الراهنة عالميا كواحدة من مصاحبات العولمة كمتغير خارجي وهو الاقوى تغييرا واتباعا لمضاميه في حياتنا ومن قِبلنا.
(5)
بناء على ما سبق، أخذت عملية تبادل التهاني في الاعياد اشكالا وتغيرات جديدة ومتسارعة الانتشارب من منظور علم الاجتماع رصداً تحليلا وتساؤلات مثل لماذا :-
أ- أصبح اعطاء اولوية تقديم التهاني الى ارباب اعمالنا اصدقاء افراداً او شركات او مؤسسات تنظيمية اخرى في اماكن العمل، متقدمة على تبادلها مع الاقرباء وجاهيا كما كانت من قبل.
ب – اعتمادنا تقديم التهاني وحتى العزاءات كجزء من دورة الحياة عبر رسائل التواصل الاجتماعية الكترونية المجانية والمجمدة/ المعلبة؛ -ليست الوجاهية- فأصبحت المشاعر المتبادلة في هذه المناسبات هامدة كورد البلاستيك تراه ملوّن ومتناسق لكنه بلا رائحة او نبض..فهل ستكون الغلبة والاستمرارية لمثل هذا النوع من التهاني او العلاقات في الاعياد انموذجا؛ ثم هل ستغادر تهانينا البشرية نحو تكفك علاقاتها الاجتماعية وتباعدها الجسدي على هيئة ذرات متطايره في الفضاء الكوني فتختار بحرية مع من تتفاعل او تُحجِم عن التفاعل معهم من الجموع الضاغطة على حرياتنا وحقوقنا كافراد؛ أم هل ستكون حريات الافراد المتصاعدة مؤمنة بأن لا ضرورة او اولوية لرابطة قرابي او حتى صِلة الرحم فيما بينها، بعد ان حققت استقلالها الاقتصادي والوظيفي على اساس مهاراتها الفردية والادائية ، واخذت دول القانون وحقوق الانسان مهمة حماية هذه الانوات الفردية “جمع انا الفردية” منذ الان دون الحاجة الى الاعتماد على الروابط القرابية او حتى المناطقية التقليدية والسائدة للآن في دول الهامش العولمي”النامية سابقا” وبأتجاه المستقبل بحكم سيادة التكنولوجيا وعصر رقمنة الانسان وكوننته بعد انحسار اهمية المسافات الجغرافية بين ارجاء المعمورة ..؟.
اسئلة مفتوحة على الحوار العلمي وبالتي هي ادق صدقاً وموضوعية في تحاورنا.
*عميد كلية العلوم الاجتماعية-جامعة مؤتة.
*عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية “.