#الاستقلال من زاوية أخرى…
#قاسم_الزعبي
قبل حوالي ٣٢ سنة وعندما كنا صغارا في الابتدائية.. اذ كان الجو ربيعيا والفصل الثاني بنهاياته والأمور عال العال… خطب بنا مدير المدرسة انذاك خطابا طويلا وأظنه كان في ٢٤ ايار أي قبل #يوم_الاستقلال بيوم… ولأن المدارس انذاك فقيرة جدا ولا مظلات فيها.. فقد أجلسنا المدير على مؤخراتنا تحت شمس ساطعة…
لم نعرق في ذلك اليوم بحكم النسمات الخفيفة وطفولتنا التي لا تعرف للتعب طريقا….
بعد أن أنهى المدير خطابه أبلغنا أن غدا هو يوم الاستقلال وعليه فإن تعميما جاء من مديرية التربية يقضي بخروج جميع الطلاب من مدراسهم كمسيرة لاستقبال جلالة الملك الحسين رحمه الله أو ولي عهده الامير الحسن حفظه الله.. والمسيرة ستكون نحو (كازية الزعبي) منطقة الخيرية والتي تبعد ٧ كم عن خرجا…
فرحنا جدا كونه لن يكون هناك دراسة غدا… وصحونا من (النجمة)… وأذكر يومها أنني وضعت على خاصرتي (مطرة مياه) لونها ( مبرقع) صحراوي واخضر تماما كما الفوتيك العسكري…
المهم… كان ذلك اليوم صافيا جدا والشمس كأنها مولودة وخارجة من خدرها… مشينا حتى (اهترت) اعقاب أرجلنا… وكلنا أمل بأن نرى الملك او ولي عهده عن بعد… ومن كان يتوقع أنه سيصافح الضيف فقد كان ذا طموح عالٍ…
وصلنا قبيل الظهر بلحظات.. وانتطرنا… ثم انتطرنا… ظنا منا أن الانتظار سيمل منا.. فهي لاعجب فرصة العمر بأن نظفر بمشاهدة الملك ونحن في هذا العمر الفتي…
ثم انتظرنا.. حتى بدأ الملل يتسلل إلينا.. بفعل الجوع والعطش وحرارة الشمس التي ازدادت…
ثم جاءت البشرى من أحدهم… بان المرسيدس وصلت… نزل الضيف.. والكل يصفق بحرارة وانا منهم… وحاولت أن (اتشعبط) على كتف زميلي لأفوز بمشاهدة واضحة.. واذ به ليس الملك وليس ولي عهده أيضا… وسمعت أحدهم يقول أن الملك بعث مندوبا عنه لانشغاله في العاصمة عمان…
ظننا يومها أن المندوب سيكون ذا شأن كبير يوازي تعبنا في المسيرة والانتظار… أتعلمون من كان المندوب(انه المرحوم ناصر الدين الاسد)
يومها لم نكن نعلم من هذا الشخص.. لأن المسؤول بنظرنا يجب ان نراه في نشرة أخبار الثامنة.. لكن هذا الرجل الاشيب لم نره مطلقا على القناة اليتيمة وقتها التي لانشاهد غيرها… شعرت يومها بضيق تنفس وخذلان وهذيان…
شاءت الظروف أن أكبر وأدرس اللغة العربية لأعرف ان هذا الرجل الذي جاء من أقصى المدينة هو بحجم الوطن فعلا… ومن منا ينكر دور المفكر والاديب ناصر الدين الاسد رحمه الله…
الشاهد بالامر ياسادة… ان الاحتفال بالاستقلال لا يقتصر على اولاد الذوات… والمتنفعين.. والساسة… ففي ذلك اليوم شعرت بالحزن الشديد لأني لم أر الملك او ولي عهده… وكرهت الضيف لأني ببساطة لم أعرفه في حينها. ثم أدركت ذات إدراك أن الاستقلال ليس أغان شعبية… ولا رقصا وتمايلا.. ولا مطربات مغمورات… بل أشخاصا عرفوا قدر الوطن فاكرموه على طريقتهم.
ما يقلقني ان وسائل الاعلام تجري مقابلات مع رجال نظنهم صنعوا الاستقلال… في حين يقبع اولاد الشهداء في اكواخهم…
رحم الله الملك الحسين وناصر الدين الاسد والشهداء..