الإنسان الغربي وامتِحان إنسانيّته

#الإنسان_الغربي وامتِحان إنسانيّته
د. #لينا_جزراوي

لم يعد التّشويه مُقتصرًا على الحضارة الغربية فقط، بل إن صورة الإنسان الغربي نفسه باتت اليوم على المَحك. فأحداث غزة المُروّعة لم تفضح إسرائيل وحدها، بل كشفت أيضًا هشاشة المنظومة الأخلاقية الغربية، وأظهرت أن الحديث المُتكررّ عن حقوق الإنسان، والقانون الدولي، والمبادئ الكونية، ليس سوى شعارات مخصَّصة لـ”الإنسان الغربي” وحده، بينما يُعامَل باقي البشر وكأنهم كائنات فائضة عن الحاجة، يمكن قتلهم وتجويعهم بلا رادع.

هذه الفجوة العميقة بين القيم المُعلنة والمُمارسة الواقعية تُهدد كل ما راكمته الحضارة الغربية عبر قرون من تقدّم عِلمي وفِكري. فكيف يمكن للعالم أن يثق في مَبادئ يُرفع شعارها صباحًا، ثم تُداس بالأقدام مساءً على أبواب غزة؟ وكيف يُمكن أن يظلّ الغرب منارةً للحُريّة والعدالة، وهو يغُضّ الطّرف عن جرائم إبادة مُوثقة بالصوت والصورة؟
ورغم هذا المشهد القاتِم، هناك بارقة أمل تتمثّل في الحِراك المُتصاعد داخل الدول الغربية نفسها. مؤسسات دولية، وفنانون، ومخرجون، وأكاديميون، بل وحتى بعض الأصوات السياسية، بدأوا يرفعون صوتهم رفضًا لسياسات حكوماتهم التي تساند نتنياهو في جرائمه. هذا الحراك قد يكون البداية لصحوة ضمير، وبداية استعادة الثقة المفقودة بالقيم الغربية.
لكن الزمن ليس في صالح الغرب. فإذا لم ينهض اليوم ليوقف آلة القتل الإسرائيلية، فسيفقد بلا رجعة ثقة الشعوب الحرة بحديثه عن القانون الدولي وحقوق الإنسان. سيُنظر إليه باعتباره حضارة منافِقة، تقيس القيم بميزان الدّم الغربي وحده.
الرهان إذن على وعي الإنسان الغربي، وعلى قدرته في أن يضع حدًا لجنون سياسي انفلت من كل القيود، وأصبح مثل ثور هائج لا يرى ولا يسمع، يقتل فقط. إنقاذ الحضارة الغربية من السقوط الأخلاقي مرهون بهذه اللحظة: إمّا صحوة تعيد الاعتبار للإنسانية، أو سقوط يُرسّخ قناعة بأن قيم الغرب لم تكن سوى واجهة براقة تخفي وراءها عنصرية عميقة. .
في النهاية، ما يجري اليوم ليس امتحانًا لغزة وحدها، بل امتحان لإنسانية الغرب نفسه. إمّا أن ينهض ليُؤكد عالمية قيمه، أو يترك الأقنعة تسقط ليُسجَّل في ذاكرة التاريخ كحضارة عظيمة في العلم، فارغة في الأخلاق.

مدرسة الفلسفة والتفكير النّاقِد
جامعة الاميرة سميّة
رئيسة الجمعيّة الفلسفيّة الأردنيّة

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى