#الإسرائيليات
د. هاشم غرايبه
يطلق هذا المصطلح على كل المعلومات التي تغلغلت في الفقه والتاريخ الإسلامي ونقلت عن أهل الكتاب، وهي غير موثوقة كونها لم ترد عن المصدر الأساسي للعلم وهو القرآن.
الإيمان يستوجب التصديق بالرسالات السابقة والكتب الأولى، لكن تعرض هذه الكتب للتحريف والإضافة، يضعف من مصداقية الروايات، وخاصة التفصيلات التاريخية التي لم ترد في القرآن او توسعت فيها أو ناقضتها.
#الأحداث #التاريخية دائما ما تتعرض الى التعديل وفق الهوى والغرض، لذلك أكد الله عل المؤمنين عدم اعتماد ما ليس في القرآن منها، فما جاء به من معلومات كافية لأداء الغرض من إيرادها ولا لزوم للبحث في مصادر غيره، لقوله تعالى: “أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” [العنكبوت:51].
كما يروى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَقَرَأَهُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ: “أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي” [رواه أحمد:14736].
رغم كل ذلك ظل كثير من فقهاء القرن الأول ينظرون الى أهل الكتب عل أنهم يمتلكون علما من كتبهم التي أنزله الله عليهم، كما أن التنافس على تقديم التفاسير الأعمق دفع الى البحث فيما لدى بني إسرائيل من تفصيلات للقصص عن الأقدمين لم ترد في القرآن، لكي يأتوا بما لم يأت به من سبقهم من المفسرين والفقهاء.
لذلك امتلأت المكتبات بما صح وبما لم يصح من روايات، اختلطت مع الروايات الصحيحة، وترسخت في أذهان البعض، ومن غير تمحيص على أنها التاريخ المعتمد.
من ذلك ما سمعته في اذاعة القرآن الكريم – عمان، من حديث لأحد الدعاة المعروفين، من تفصيلات لم ينزل الله بها من سلطان لقصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح التي وردت في سورة الكهف، وقال فيها: “إن موسى عليه السلام سئل: هل في الأرض من هو أعلم منك؟، فقال لا، فعتب الله عليه أنه لم يقل الله أعلم، فقال له هنالك من هو أعلم منك واسمه الخضر، فأراد موسى أن يتعرف عليه فقال له تعالى: هو في منطقة عرفها له أنها بمجمع البحرين، فاحمل معك في زوادتك حوتا، فمتى ما رأيته عادت له الحياة فهو هناك، فذهب ومعه فتاهُ “يوشع بن نون”، والذي صار نبيا من بعده، وهو الذي كان في معركة وكانت الشمس تميل للغروب فأقسم عليها أن لا تغرب قبل أن ينهي المعركة، فتوقفت الشمس الى أن حسمت المعركة”.
عجبت لمن كان يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة أن يتبنى هذه الرواية رغم ما فيها من تناقضات ومخالفة لما ورد في القرآن الكريم:
1 – الله تعالى لم يعط الرجل الصالح إسماً، فليس مهما أن يكون اسمه الخضر أو غيره لأن العبرة بالحدث، وجاءت رمزية الأحداث لتفسر للناس معنى القضاء والقدر، لكن اليهود اعتادت على التنبيش فيما لا ينفع، والاهتمام بالشكليات لترك الجوهر، وخير مثال على ذلك قصة البقرة، فلماذا محاكاتهم في ممشاهم الخبيث ذاك؟.
2 – الحوت (السمكة) التي حملاها معهما كانت لطعامهما، إذ لو كانت بهدف استكشاف مكان الرجل الصالح، لما قال موسى لفتاه: “فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا” [الكهف:]، بل الصحيح هو الرواية القرآنية، وهي أنه عندما قال الفتى: “.. فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا”، كان رد موسى أن ذلك ليس من الشيطان بل من تدبير الله، “قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا”، فنسيان الحوت عند الصخرة كان لأجل عودتهما اليها ليجدا الرجل الصالح عندها.
3 – قصة إيقاف يوشع للشمس عن الدوران هي من الخرافات الكثيرة التي أضيفت للتوراة، فترديدها من قبل شخص معاصر يعلم أن الشمس ليست هي التي تدور حول الأرض، أمر مؤسف، ويدل على مدى تغلغل الخرافات الى فقهنا بسبب تقبل روايات السلف من غير تمحيص، ويدعو العلماء الربانيين المعاصرين الى المراجعة والغربلة.