الإرهاب … عدو المسلمين والمسيحيين
الألم يعتصرنا جميعا ، والمرارة في أفواهنا كلّنا ، حين نرى الدماء البريئة تنزف دون أن يكون لها الذنب ، ومن هم أهل القصاص في الأرض ، وينصّبون أنفسهم مكان الله فيقدمون الإساءة أكثر مما يحسنون ؟ ولكننا نتفق جميعا اليوم وغدا على أن عدونا الإرهاب والقتل والترويع .
مسلمون ومسيحيون نعيش بكل مودة وإخاء عشرة عمر طويل لن تنتهي ، هم أهلنا ونحن أهلهم ، ولدينا في الأردن تعايش وطيد ، وتسامح يعكس حرية الأديان التي نفاخر الدنيا بها ، كما يعكس تميز القيادة الهاشمية ، والصورة البيضاء لأبناء الوطن ، وهو ما يصلح أن يكون مثالا لكل أهل الأرض ، فليس في نفوسنا جميعا ذرة تفكير تقربنا يوما من الطائفية المنبوذة ، بل إننا نرسل لأهل الأرض صورة في الأخوة والمودة منقطعة النظير ، وحيث كنا مسلمين أو مسيحيين فإننا نعيش همّا واحدا ، وعقولنا أكبر مما يظن السفهاء بشيء سيقتلهم ؛ لأن النار تأكل بعضها إنْ لم تجد ما تأكله .
إنّ ما حدث في مصر الحبيبة من تفجيرات عبثية – لإخواننا المسيحيين في قمة أعيادهم – لأمر يبعث على الأسى والألم ، ولكنّه درس يعلمنا جميعا مسلمين ومسيحيين أن القائم على الفتنة لا يمكن أن يكون مسلما أو مسيحيا ، وإنّما هي فئة ضرّها العلاقات الحميمة التي تجمع المسلمين والمسيحيين ، فئة ُ فتنةٍ قتلها الحسد ، لا تريد أن ترى الخير يستمر في أرض واحدة ، ونسيت عبر التاريخ كيف تعايش المسلمون مع إخوانهم المسيحيين ، في رضا وتوافق ومحبة كرّسها عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – ، وعبر تاريخ الأندلس الطويل تبادل المسلمون والمسيحيون الزيارات بينهم ، و التهاني والتبريك في مختلف الأعياد ، وحتى اليوم لم تزدد الصورة إلا صفاء ومودة وقربى .
ما حدث في مصر أمر مبك ٍ ، ولا نريد أن نتعلم مما حدث إلا درسا واحدا يكفينا عنوان حياة ، فما حدث لن يهزّ وحدة الأهل وتسامحهم ، ولن يزيد المسلمين والمسيحيين إلا صبرا وثباتا وقوة ، ففي كل بقعة في الأرض مغرضون لا يقدّرون قيمة الحياة ، ولا يعرفون معنى الأمل ، ولا يتذوقون طعم النجاح ، ولا يحسنون العمل ، يظنون بإراقة دماء الأبرياء أو ترويعهم يفسدون الودّ والمحبة بين المسلمين والمسيحيين ، وهم لا يعرفون أنهم زادوا المحبة قداسة وعشقا أبديا ، فقد كنّا على ابتهاج حين سمعنا إخواننا المسيحيين في مصر الشقيقة يقولون : ليسوا المسلمين ، بل إن المسلمين سيكونون حرسا لإخوانهم المسيحيين الأقباط ، وهم يحتفلون بعيد ميلاد المسيح – عليه السلام – في ليلة السادس من هذا الشهر ، في رسالة واضحة لكلّ من سوّلت له نفسه وقتلَ الأبرياء، وروّع الصغار والنساء .
إنّ ديننا الإسلامي لا يقر الإرهاب ولا القتل ، ولا يحث عليهما أبدا ، فما انتشر الإسلام بالسيف ، وإنما انتشر بالتسامح والمعاملة الحسنة ، أد ِ الأمانة إلى من أتمنك ، ولا تخن من خانك ، وإننا نقول لكل الجاهلين إن أعظم أية في القرآن الكريم أية الكرسي : ” اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ” في سورة البقرة ، جاء بعدها أية أخرى تليها تماما ” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ” ، فأي حرية دينية أعظم من هذه ؟
إننا نؤمن بالأنبياء جميعا – عليهم السلام – وعيسى – عليه السلام – هو من بشّر بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ”
ونؤمن بالكتب المقدّسة ، نؤمن بالقرآن الكريم ، وأن الإنجيل كتاب الله المقدّس ، وهذا شرط الإيمان : ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ” .
فلا نريد أن نفكر مجرد تفكير في أحداث افتعلها غير المسلمين والمسيحيين ، وننسى عدوا يهددنا جميعا ، وربما يكون هذا العدو المتربص بنا هو الفائز الوحيد ، إذا حدث ما يفسد الودّ ، أو العلاقة الأخوية الأبدية بين المسلمين والمسيحيين لا قدّر الله .
إننا نبكي جميعا لأجل الخير ، ونصلي كلّنا لأجل الخلاص من الظلم ، ولأجل العزة والنصر ، لأننا كلّنا نحبّ القدس مهبط الأنبياء :
بكيتُ … حتى انتهت الدُّموعْ
صليتُ … حتى ذابت الشُّموعْ
ركعتُ … حتى ملّني الرّكوعْ
سألتُ عن محمد ٍ …
فيك ِ ، وعن يسوعْ
يا قدس … يا مدينة تفوح أنبياءْ
يا أقصر الدّروب بين الأرض والسماء ْ
فنحن جميعا ندرك تمام الإدراك أن الإسلام والمسيحية لا يكون فيهما قبول للإرهاب ، ولا للقتل ، ولا للدماء ، وندرك تماما أن عدونا واحد ، هو الذي يعيث فسادا في بيت المقدس ، ويحاول هدم المسجد الأقصى المبارك ، وهو نفسه الذي حاصر كنيسة القيامة واحرقها ، وقتل أهل بيت لحم في حرب واضحة ضد المسلمين والمسيحيين في فلسطين ، فلا يفرّق بين مسلم أو مسيحي ، ولا بين مسجد أو كنيسة ، لقد كانت المساجد والكنائس وستبقى في مودة وتآلف :
كانت مساجدها نجوى كنائسها والمؤمنون سـواءٌ بين أيديها
إذا اشتكى مذبح ٌ هبّت لنجدته كلُّ المحاريب في شتّى نواحيها
*د . ظاهر محمد الزواهرة – الجامعة الهاشمية .