
حذّر المرصد #الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أنّ #العدوان_العسكري_الإسرائيلي الواسع على مدينة #غزة، بما يشمله من #قصف متكرر ومنهجي للأحياء التاريخية و #دور_العبادة و #المكتبات و #المتاحف والأرشيفات والمقابر والبيوت العتيقة والأسواق القديمة والبنية العمرانية المحيطة بها، ينذر بمحو ما تبقّى من معالمها الأثرية وتراثها المادي واللامادي محوًا كاملًا في سياق سياسة معلنة لإزالة المدينة وتهجير سكانها قسرًا، وهو ما يشكّل اعتداءً صارخًا على #الممتلكات_الثقافية المحميّة بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لعام 1954، ويستدعي تدخّلًا عاجلًا من اليونسكو والدول الأطراف لوقف هذا التدمير وتوثيق أضراره وتأمين الترميم وضمان المساءلة ومنع تحويل #غزة إلى #أرض_بلا_ذاكرة أو هوية.
أوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان له أنّ العدوان الإسرائيلي لا يقتصر على قتل آلاف المدنيين وتدمير منازلهم، بل يتعمّد أيضًا استهداف المواقع التاريخية والأثرية والدينية والثقافية في القطاع، ولا سيما في مدينة غزة، في إطار إستراتيجية استعمارية استيطانية ممتدة تسعى إلى محو الرموز المادية والروحية للشعب الفلسطيني، وإحداث خسارة غير قابلة للتعويض لذاكرة جماعية متجذّرة تشكّل هوية المجتمع الفلسطيني المتراكمة عبر مئات السنين.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ منظمة اليونسكو تمكنت، حتى تاريخ 18 آب/أغسطس 2025، من توثيق وتقييم الأضرار التي لحقت بـ 110 مواقع في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شملت 13 موقعًا دينيًا و77 مبنى ذا أهمية تاريخية أو فنية و3 مستودعات للممتلكات الثقافية المنقولة و9 صروح أثرية ومتحفًا واحدًا و7 مواقع أثرية أخرى، ما يعكس حجم التدمير المنهجي الذي يطال التراث الفلسطيني ويهدد بمحو معالمه وذاكرته الحضارية.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن العدوان العسكري الإسرائيلي المتصاعد منذ أكثر من شهر بهدف السيطرة على مدينة غزة وتهجير سكانها، يشكل خطوة إضافية لاستكمال التدمير الإسرائيلي الشامل لمعالم غزة، بما في ذلك المناطق الأثرية والتاريخية، في خطوة يستحيل العودة عنها.
وأكد المرصد أنّ العدوان الإسرائيلي المتصاعد يقضي نهائيًا على أي أمل بترميم المواقع والمعالم التي تضررت بفعل الهجمات الجوية والبرية السابقة، بل يعني المضي في استكمال تدميرها والوصول إلى محو حتى ما لم يتضرر بعد، في ضوء النهج الإسرائيلي القائم على تسوية المناطق بالكامل عبر العربات المفخخة والقصف الجوي والمدفعي، إلى جانب استخدام الآليات والجرافات لتنفيذ عملية مسح شامل للمعالم، بما يجعل التدمير مقصودًا وكاملًا.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ أحياء المدينة القديمة، الزاخرة بالمنازل القديمة التاريخية، والمعالم الأثرية العريقة مثل المسجد العمري الكبير، وكنيسة القديس بورفيريوس، وكذلك الأسواق التاريخية، والمباني العثمانية والمملوكية، باتت عرضة للتدمير الكلي مع استمرار القصف الإسرائيلي العنيف والتوسع البري المرتقب.
وأشار إلى أنّ بعض هذه المواقع تضررت بالفعل، إذ تعرض المسجد العمري لتدمير واسع وفقد كثيرًا من معالمه، وتضررت كنيسة القديس بورفيريوس، كما أُصيبت أسواق وأحياء قديمة بأضرار جسيمة، وأي تدمير إضافي يعني مسحها وتقليل أي فرصة مستقبلية للترميم.
وأشار إلى أن فريقه الميداني سبق أن وثق هجمات جوية ومدفعية شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مواقع تاريخية عديدة تشكل الجزء الأبرز في التراث الثقافي في قطاع غزة، بما في ذلك مواقع أثرية ومبان تاريخية ودور عبادة ومتاحف، ما أدى إلى دمار وأضرار كبيرة فيها.
وبين أن معظم أجزاء البلدة القديمة لمدينة غزة، وفيها 146 بيتًا قديمًا، إضافة إلى مساجد وكنائس وأسواق ومدارس قديمة وتاريخية تعرضت لتدمير كبير في هجمات جوية ومدفعية إسرائيلية سابقة، وهي عرضة اليوم للتدمير الكامل.
كما دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي موقع البلاخية الأثري وميناء غزة القديم (ميناء الأنثيدون الأثري) في شمال غرب مدينة غزة، والذي يعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد، وكان يعتبر من أهم المعالم الأثرية في غزة ومدرج على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي ولائحة التراث الإسلامي.
إلى جانب ذلك، دمرت طائرات حربية إسرائيلية “بيت السقا” الأثري في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 عام على مساحة كانت تبلغ 700 مترًا.
وتمّ رصد أضرار متفاوتة لحقت بعدة مواقع تراثية أخرى، أبرزها موقع تلّ أم عامر (دير القديس هيلاريون) الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي ويُعدّ من أقدم وأهم المواقع المسيحية الأثرية في فلسطين، حيث أكدت تقارير اليونسكو ومنظمات تراثية أنّ محيطه تعرّض للقصف وأعمال تجريف، وأن الموقع بات مهددًا بأضرار جزئية خطيرة تضعه في دائرة الخطر الداهم، الأمر الذي دفع اليونسكو إلى إدراجه في قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر ومنحه حماية معززة بموجب اتفاقية لاهاي. ويشكّل هذا الاستهداف إنذارًا بخسارة فادحة لمعالم حضارية فريدة لا يمكن تعويضها، ويعكس في الوقت ذاته اتساع دائرة التدمير لتشمل التراث المتنوع الذي يجسّد تعددية وغنى الهوية الفلسطينية الممتدة عبر العصور.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ إسرائيل تستهدف بلا هوادة الإرث الثقافي الإنساني في غزة، باعتباره حاملًا لقيم ومعالم أساسية في صون الهوية والذاكرة الجماعية، وذلك في سياق جريمة إبادة جماعية أوسع تُمارَس ضد الفلسطينيين في القطاع، تقوم على تهجيرهم قسرًا وطمس هويتهم ومحو كل ما يربطهم بأرضهم وتاريخهم, والقضاء عليهم على نحو مادي.
وذكّر المرصد الأورومتوسطي بأنّ القانون الدولي الإنساني يحظر بصورة مطلقة الاستهداف المتعمّد للمواقع الثقافية والدينية التي لا تشكّل أهدافًا عسكرية مشروعة ولا تستدعيها ضرورة عسكرية حتمية، مؤكدًا أنّ هذا الحظر يشكّل قاعدة راسخة في الأعراف الدولية، وقد تمّ تقنينه بوضوح في اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلّح، وكذلك في البروتوكول الثاني الإضافي للاتفاقية لعام 1999.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ تدمير واستهداف المواقع التاريخية والأثرية يشكّل بحد ذاته جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وانتهاكًا صريحًا لاتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، كما أنّه يمثّل اليوم أحد الأبعاد المركزية في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الفلسطينيين، إذ يُسخّر كأداة لطمس الهوية والذاكرة الجمعية وحرمان الشعب من مقومات وجوده التاريخي والثقافي، في تلازم مع سياسات القتل والتهجير القسري والتدمير الشامل.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ المواقع التراثية والتاريخية في غزة تمثّل جزءًا لا يتجزأ من التراث الإنساني العالمي، فهي ليست ملكًا للفلسطينيين وحدهم بل للبشرية جمعاء ولكل من يهتم بتاريخ الإنسانية وحفظ ذاكرتها، الأمر الذي يستدعي تحرّكًا عاجلًا من المجتمع الدولي وهيئاته المختصة لحماية هذا الإرث الثقافي وصونه، وضمان مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها الجسيمة باعتبارها جرائم دولية تستوجب المحاسبة بموجب القانون الجنائي الدولي.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ استمرار تدمير هذه المعالم لا يعني فقط فقدان الحجر والتراث المادي، بل يفتح الباب لطمس هوية الشعب الفلسطيني وانقطاع صلته بجذوره التاريخية والحضارية، ويجعل من عملية الاستهداف من اعتداء على المباني إلى اعتداء منهجي على الذاكرة الجمعية وحق الأجيال في الحفاظ على إرثها الثقافي والإنساني.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الأمم المتحدة واليونسكو بالتحرك الفعال لحماية الممتلكات الثقافية في غزة، والعمل على إدراج المواقع التاريخية المهددة ضمن قوائم الحماية الدولية الطارئة، كما دعا مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إدراج هذه الجرائم في ملف التحقيق الجاري حول الوضع في فلسطين.
وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول، منفردة ومجتمعة، بتحمّل مسؤولياتها القانونية والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بأفعالها كافة، واتخاذ جميع التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك، وضمان امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وضمان مساءلتها ومحاسبتها على جرائمها ضد الفلسطينيين، داعيًا أيضا إلى تنفيذ أوامر القبض التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق في أول فرصة، وإصدار المزيد من أوامر الاعتقال، وتسليمهم إلى العدالة الدولية، ودون إخلال بمبدأ عدم الحصانة أمام الجرائم الدولية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى ضمان محاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية والوطنية المختصة، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر تصدير الأسلحة إليها أو المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وفرض حظر السفر عليهم، إلى جانب تعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تمكنها من الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي على العمل فورًا وفقًا لالتزاماته القانونية وإنهاء الأسباب الجذرية لمعاناة الشعب الفلسطيني واضطهاده على مدار 77 عامًا، وضمان حق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة وتقرير المصير وفقًا للقانون الدولي، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي المفروض على الأراضي الفلسطينية، وتفكيك نظام العزل والفصل العنصري المفروض ضد الفلسطينيين، والانسحاب الكامل للوجود الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967، ورفع الحصار غير القانوني عن قطاع غزة، وضمان مساءلة ومحاسبة الجناة الإسرائيليين، وكفالة حق الضحايا الفلسطينيين في التعويض والانتصاف.