#الأسود لا تقع على الجيف
أنس معابرة
“سكار فيس” هو الأسد الأشهر في العالم، لدرجة تسمية الناس له بملك #الغابة الحقيقي، عاش ملكاً لمدة طويلة، ومن أشهر خصاله أنه كان يرفض أن يأكل من #جيفة، أو من صيد الآخرين، بل كان يصيد ويأكل ويُطعم أهله من صيده.
حين علِم سيدنا سليمان عليه السلام بموضوع بلقيس، وأرسل لها رسالة يدعوها فيها الى الإيمان وترك عبادة الشمس، أرادت أن تختبره، فأرسلت له الهدايا والأموال، ولكنه عليه السلام كان صاحب رسالة، ويرفض الإستسلام للمغريات، و #الخضوع لسلطة #الأموال والهدايا، وحين أدركت بلقيس حقيقة النبي الكريم؛ ما كان منها إلا أن آمنت هي وقومها.
إن النفوس الأبية ترفض الذل والمهانة، وترفض الخضوع للمغريات من الأموال والمتاع مقابل العزة والكرامة، بل وجب على الإنسان أن يبذل روحه فداء لكرامته وعزته، لا أن يبيعها بمتاع زائل.
مما يُروى في هذا الباب؛ أن تاجراً كان كثير المال قليل العيال، له ولد وحيد مدلل كسول، يبدد المال يمنة ويسرة، في وجهه حيناً، وفي غير وجوهه أحياناً.
حار الأب في شأن ابنه، وأراد منه أن يتحلى بالمسؤولية، فهو إبنه الوحيد، ولا شك أن كل هذا المال الذي جمعه في سنين عمره ذاهب إليه، وقد عز عليه أن يرى جهد عمره يذهب أدراج الرياح.
فكر ودبّر، ثم اهتدى إلى طريقة ظن أنها الأنجع بإعادة ولده إلى جادة الصواب، فقال محدثاً نفسه: “إن أنا أرسلته على رأس قافلة للتجارة، ووضعتُ له من يراقبه ويعاونه، فلا شك أنه سيشعر بذاته، ويعرف قيمة العمل، وقيمة أن يكون الإنسان منتجاً، ويأكل من كدّ يده، وأنه إن شقيَ وتعب في إحضار المال؛ لم يستهن في تبديده”.
حدث إبنه بالأمر فراقت له الفكرة، وحزم متاعه، وإرتحل على رأس القافلة للتجارة، وما كاد مساء ذاك اليوم يحل حتى كانت القافلة قد قطعت مسافة طويلة، وأصيب الرجال والدواب بالتعب، فنزلوا للمبيت كما هي عادة القوافل.
ناموا ليلة هانئة هادئة، إفترشوا فيها الأرض، والتحفوا السماء، والولد مشدوه لمنظر الطبيعة وليل الصحراء الآخّاذ، وفي الصباح الباكر، وبينما كانت القافلة على وشك المسير، رأى الولد عجباً، رأى أسداً يأتي باب كهف ويضع أرنباً قد إصطاده، ويمضى في سبيله. بعد قليل خرج من الكهف ثعلب أعمى، أخذ يتحسس طريقه حتى وصل إلى الطريدة فأكلها، ثم عاد إلى الكهف.
قال الولد في نفسه: “لقد قسم الله لكل مخلوق رزقه، فعلام يكدّ الناس ويشقون؟ وإن الذي لم ينسَ ثعلباً أعمى، لن ينسى إنساناً مبصراً”، ثم طلب من القافلة أن ترجع أدراجها. إستغرب الأب عودة إبنه، وسأله عن السبب. فقال الولد: “يا أبتِ ما حملني على الرجوع إلا أني رأيت عجباً”، قال الأب: “وماذا رأيتَ يا بنيّ، حدثني”. قال الولد: “رأيت أسداً إصطاد أرنباً، ثم وضعه أمام كهف ثعلب أعمى، يا أبتِ فلمَ الكدُّ والعمل، وكل آتيه رزقه؟”
إبتسم الأب وقال: يا بنيّ، إن الله يسوق لكل مخلوق رزقه، ولكني أردتك أسداً مبصراً يعطي، لا ثعلباً أعمى يأخذ! واليد العليا التي تعطي؛ خير وأحب الى الله من اليد السفلى التي تأخذ. فهم الولد مراد الأب، وعزم على الجد والعمل، وأقسم ألا يعود سيرته الأولى.
خلاصة القول:
المؤمن الحقيقي لا يرضى بالكسل والذل، بل يسعى الى كسب رزقه من كد يده، ولا يتخلى عن مبادئه وأفكاره في سبيل كسب الأموال والهدايا، بل يرضى بالتعب ويسعى في سبيل تحقيق أهدافه ورزقه بكرامة محفوظة، تماماً كما فعل النبي سليمان عليه السلام، والأسد الملك.