
#الأسواق_الأردنية… بين #ضيق_الجيوب و #ابتكار_الحلول
أ.د #أمجد_الفاهوم
في شوارع عمّان وإربد والزرقاء والسلط , وباقي المدن والقرى الاردنية، يواجه التجار واقعًا صعبًا يتجلى في محال تخفف إنارتها لتقليل استهلاك الكهرباء، ومتاجر تقلص ساعات عملها، وباعة يضطرون لتصريف بضاعة راكدة من مواسم سابقة بسبب غياب القوة الشرائية. فالنمو الاقتصادي لا يتجاوز 2.7% تقريبًا، والبطالة عند حدود 21%، وهو ما يضغط على دخل الأسر ويدفع المستهلكين إلى الحذر الشديد في الإنفاق. ومع التوترات الإقليمية وتراجع الطلب الخارجي، ازدادت هشاشة الأسواق المحلية، ولا سيما في المدن التي تعتمد على النشاط التجاري والسياحي.
يواجه التجارعبئًا متزايدًا: فأسعار الفائدة مرتفعة مرتبطة بالدولار تجعل كلفة التمويل أثقل، وفاتورة طاقة لم تخففها الإصلاحات التدريجية في التعرفة الكهربائية، وضريبة مبيعات بنسبة تصل الى 16% تزيد من أعباء المستهلك. وهذا يفاقم مشكلة الأسر الاردنية التي تضطر إلى تأجيل المشتريات الكبيرة، أو يستبدلون الجديد بالمستعمل والأرخص وفي معظم الأحيان تركيزها على المسكن والمأكل والمشرب. حتى السياحة، التي يُعوَّل عليها كمحرّك للإنفاق، تعرّضت لهزة في 2024، وتعافت جزئيًا في 2025، لكنها لم تبلغ بعد مستوى تعويض الخسائر.
هذه المعطيات تطرح تساؤلًا ملحًا: كيف يمكن إنعاش الأسواق الأردنية من دون الاكتفاء بانتظار الفرج الاقتصادي الخارجي؟
من زاوية السياسات قصيرة الأجل، تقدّم التجارب الدولية بعض الدروس التي يمكن الاستفادة منها: ففي سنغافورة جرى توزيع قسائم استهلاك رقمية أنعشت السياحة والتجزئة، وفي بريطانيا والبرتغال خُفّضت ضريبة القيمة المضافة مؤقتًا لتحفيز الطلب، بينما لجأت كوريا الجنوبية إلى قسائم موجهة لقطاعات محددة عززت المبيعات بسرعة. وهناك ادوات كتلك وأدوات أخرى، إذا طُبقت محليًا بوضوح وبتحديد سقف زمني، يمكن أن تمنح الأسواق الأردنية دفعة سريعة من السيولة والثقة.
لكن هذه الحلول ليست بالحلول الجوهرية التي تتطلب إعادة هيكلة فعالة مثل: خفض كلفة ممارسة الأعمال والذي يبدأ من توسيع التعرفة الكهربائية المخفضة لتشمل المتاجر الصغيرة، وتشجيع استخدام أنظمة الطاقة الشمسية على أسطح المحال، وتسهيل الوصول إلى التمويل الميسر من خلال مؤسسات ضمان المخاطر. كما يمكن للبلديات ووزارة الصناعة والتجارة والتموين أن تدعم إطلاق مهرجانات تسوّق وأسواق نهاية الأسبوع في المراكز الحضرية، تربطها بفعاليات ثقافية وسياحية تجذب العائلات والشباب وتعيد الحياة إلى الشوارع التجارية.
وعليه، فإن المعادلة المطلوبة تقوم على ركيزتين: ضخ سيولة ذكية وسريعة تعيد تحريك الطلب، وتخفيف الكلف الهيكلية التي ترهق التاجر والمستهلك معًا. وبينهما، يجب بناء أجواء من الثقة عبر مبادرات حضرية نشطة وتنشيط السياحة الداخلية.
ولذا فإن الأسواق الأردنية ليست بحاجة إلى مسكنات مؤقتة بقدر حاجتها إلى جرأة في التفكير. فالتاجر الذي يبتكر أساليب جديدة للتسويق، والمستهلك الذي يشارك في دعم المنتجات المحلية، والبلديات التي تنظم فعاليات جاذبة، ووزارة الصناعة والتجارة والتموين التي توازن بين السياسات الضريبية والقدرة الشرائية—كل هؤلاء شركاء في صياغة الحل.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ننتظر انفراج الظروف الإقليمية والدولية، أم نبادر بقرارات متوازنة تجمع بين التحفيز العاجل والإصلاح المستدام، لنصنع سوقًا أكثر عدالة ومرونة وقوة؟