لم يتوقع الثلاثيني يوسف العزب أن #القرض، الذي حصل عليه لإجراء عملية ولادة لزوجته بمستشفى خاص، سيؤدي به للحبس بسبب عجزه عن تسديد القرض، بعد تسريحه من العمل بإغلاق مصنع السجاد الذي كان يعمل به.
فقد حصل العزب على قرض بقيمة 1800 دينار (2.5 ألف دولار) من إحدى مؤسسات التمويل المالي الصغيرة، مقابل نسبة فائدة 12%، ويضيف “قمت بتسديد نحو 13 دفعة لأكثر من عام، لكن أوضاعي المعيشية تعثرت بعد إغلاق المصنع، وعجزت عن تسديد باقي المبلغ حتى بت مطلوبا للتنفيذ القضائي”.
أما العشرينية مريم السيد (23 عاما) فحصلت على قرض من مؤسسة تمويل صغيرة بقيمة 700 دينار (ألف دولار) لتسديد الذمم المالية للجامعة التي درست بها، وذلك لتمكينها من الحصول على #شهادات تخرجها لتقديمها لوظيفة بمدرسة خاصة، لكنها لم توفق بعمل، فبات #القرض يهددها بالسجن.
قروض ميسرة بنسب فائدة مرتفعة
ويشارك العزب والسيد العديد من المتعثرين في سداد #القروض_الصغيرة، فالأربعينية فاطمة الفقير تعجز عن تسديد قرض يقيمة 900 دينار (1.2 ألف دولار) حصلت عليها لتسديد إيجار المنزل وفواتير الكهرباء والماء، فباتت تبحث عن محسنين وجمعيات خيرية تساعدها بتسديد القرض مخافة حبسها.
ويعمد صغار المدينين للاقتراض من شركات ومؤسسات التمويل المالي الصغيرة المنتشرة بمحافظات المملكة، وذلك لسهولة حصولهم على القروض المالية من تلك الشركات، وبشروط سداد ميسرة وسهلة، لكن مع نسب فائدة مرتفعة تصل لأكثر من 20%، بحسب مقترضين.
وبلغة الأرقام، فقد بلغت مديونية الأردنيين من الأفراد المقترضين من المؤسسات المالية والبنوك التجارية حتى نهاية عام 2021 نحو 11.8 مليار دينار (16.6 مليار دولار) مسجلة ارتفاعا بنسبة 8.6% عن العام 2020، حين سجلت 10.9 مليارات دينار (15.3 مليار دولار) بحسب تقرير البنك المركزي الأردني.
وبلغ عدد المقترضين عام 2021 بلغ 1.220 مليون مقترض، مقابل 1.170 مليون عام 2020 بزيادة نمو في أعداد المقترضين نحو 50 ألف مقترض، وبنسبة 4.3%.
نحو 155 ألف مطلوب للقضاء
وحتى منتصف الشهر الحالي، بلغ عدد المطلوبين الأردنيين للتنفيذ القضائي على ذمة ديون مدنية نحو 155 ألف مدين، منهم قرابة 100 ألف مقترض ديونهم أقل من 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار) فما دون، بحسب رئيس اللجنة القانونية بمجلس النواب غازي ذنيبات.
ويضاف لهذا الرقم -بحسب حديث ذنيبات – 43 ألف محكوم بقضايا ماليا على خلفية إصدار شيكات بدون رصيد، ونحو 13 ألف مدين مهاجر لدول الجوار في مصر وتركيا محكومين بالحبس بعد تراكم ديون عليهم بأكثر من 100 ألف دينار (140 ألف دولار).
ويتزامن حديث ذنيبات مع قرب انتهاء العمل بأمر الدفاع رقم 28 الذي أصدرته الحكومة الحالية في مارس/آذار 2021، ونص على تأجيل تنفيذ قرارات حبس المدين الصادرة بمقتضى أحكام المادة (22) من قانون التنفيذ، شريطة ألا يتجاوز مجموع المبالغ المحكوم بها أي شخص 100 ألف دينار (140 ألف دولار) ووقف تنفيذ الأحكام الجزائية التي تقضي بعقوبة الحبس بالجرائم المتعلقة بإصدار شيك لا يقابله رصيد، في القضايا التي لا يتجاوز مجموع قيمة الشيكات فيها 100 ألف دينار (140 ألف دولار) ومنع سفر المشمولين بأحكام البندين الأول والثاني من أمر الدفاع هذا بموجب قرار تصدره الجهة القضائية المختصة.
جدل #حبس_المدين
وتدور حالة من الجدل بين الأردنيين حول “حبس المدين” بين مؤيد ورافض، وطلب مجلس النواب سلطات بلاده بتمديد أمر الدفاع المتعلق بحسب المدين لنصف العام القادم 2023، وذلك مراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن، وفق حديث أحمد الخلايلة النائب الأول لرئيس المجلس للجزيرة نت.
في حين ترفض نقابة المحامين أي تمديد جديد لوقف حبس المدين، مرجعة السبب في ذلك إلى “مبدأ سيادة القانون وتحقيق العدالة بين الدائن والمدين” إضافة إلى أن الاقتصاد الأردني قائم على فكرة “التعامل الآجل” وذلك نتيجة القدرات الشرائية وقيمة النقد المتواضعة بين يدي الأردنيين، مما يضطره للاستدانة لتلبية حاجاته.
ودعا نقيب المحامين يحيى أبو عبود لتطبيق مبدأ “الإعدام المدني” ليكون بديلا لحبس المدين وحفظ حق الدائن، وتتضمن “الإعدام المدني” بعدم قدرة المدين على إبرام أي تصرف قانوني أو ممارسة أي حق من حقوقه المدنية طالما هو مدين، حيث لا يستطيع تجديد ترخيص ولا رخصة، ولا أن يدفع فاتورة، ولا عمل أي اشتراك سواء عقد إيجار أو عمل أو بيع.
وقد طالبت “هيومن رايتس ووتش” السلطات الأردنية بـ “وقف العمل بحبس المدين” ووثقت المنظمة في بيان أصدرته مطلع مايو/أيار الماضي “كيف يقترض عشرات آلاف الأردنيين، في ظل غياب شبكة حماية اجتماعية كافية، لتغطية المتطلبات الأساسية، لينتهي بهم الأمر في السجن أو يصبحوا مطلوبين لعدم السداد”.
أسباب التعثر
وعلى الرغم من ارتفاع نسب الاقتراض لدى الأردنيين، فإن نسب التعثر في المملكة بتسديد تلك القروض أقل نسب على مستوى العالم، إذ لا تتجاوز نسبة التعثر بـ4.7%، في حين نسب التعثر عالميا تتراوح بين 8-10% بحسب الخبير الاقتصادي سلامة الدرعاوي للجزيرة نت.
وأرجع الدرعاوي السبب في ذلك إلى “نسب الأمان المرتفعة لدى البنوك والمؤسسات المالية المقرضة” مضيفا أن القروض تساهم في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية، خاصة وأن أكبر حصة من الديون تعود للقروض السكنية وبنسبة 40%، والسلف الشخصية، وقد شكلت 35% من إجمالي القروض، إضافة للقروض الاستهلاكية وبنسبة 13%، وشراء سيارات بنسبة 11%.
وتشكل مديونية الأفراد مخاطر اجتماعية واقتصادية ومعيشية على الأردنيين، وأرجع مختصون أسباب ارتفاع أعداد المطلوبين نتيجة عدم الوفاء بتسديد الديون إلى “الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردنيون، وتراجع القدرات الشرائية والمعيشية، وتبعات جائحة كورونا”.