#الأردن وَسَطَ #العاصفة_الإقليمية
بقلم : د. #لبيب_قمحاوي
التاريخ: 23/ 12/ 2024
lkamhawi@cessco.com.jo
تموج الساحة السياسية الأردنية بالتكهنات والتوقعات وحتى الإشاعات التي تحاول أن تستجيب لمتغيرات فرضها الآخرون على الأردن وليس نتيجة لمتغيرات فعلها الأردن والأردنيون بأنفسهم ولأنفسهم . التلميحات أو التهديدات المكبوتة أو التصريحات السلبية والايجابية تنطلق أحياناً من واشنطن ، وأحياناً أخرى من تل أبيب أو من مصادر أخرى ، ويشارك في الترويج لبعض هذه التلميحات والتصريحات بعض العرب وبعض محطات الإعلام العربي وللأسف بعض الأردنيين أيضاً سواء أكان ذلك الترويج مقصوداً أو عن جهل لئيم .
قد يكون من المبكر الدخول في التفاصيل وقد يكون من الأجدى في هذه المرحلة التركيز على المبادئ العامة والمواقف والسياسات الحصيفة ذات الأبعاد الاستراتيجية التي يمكن أن نسترشد بها . وفي هذا السياق ، تشكل العودة إلى المبادئ الأساسية التي حكمت المسار السياسي الأردني لعقود طويلة ، المدخل الصحيح لإعادة النظر فيما آلت إليه الأمور مؤخراً وما يتوجب على الحكم في الأردن فعله . المبادئ العامة التي حكمت تقليدياً سياسات الأردن الخارجية هي :
1- أولوية القضية الفلسطينية .
2- أولوية علاقات الأردن العربية .
3- الإبتعاد ما أمكن عن الإلتصاق بالقضايا الملتهبة والصراعات بين الدول الأخرى ومحاولة أخذ مواقف متوازنة في التعامل مع تلك القضايا أو الصراعات مع إعطاء الإعتبار الأول للمصالح الوطنية الأردنية والعربية . أما فيما يتعلق بالتحالف التقليدي مع الغرب خصوصاً أمريكا وبريطانيا ، فيجب إعادة النظر في هذا المبدأ واخضاعه تماماً للمصالح الأردنية ضمن إطار أولوية القضية الفلسطينية وعلاقات الأردن العربية .
من الصعب الانكار بأن الواجهة السياسية والإقتصادية الأردنية تعاني الآن من شُحٍّ ملحوظ في الكفاآت وإرتفاع في نسبة الأداء الضعيف والعزوف بالتالي عن أي استعداد من قبل تلك الواجهة السياسية الضعيفة للدفاع عن المبادئ الدستورية والفصل بين السلطات الأمر الذي كان سيؤدي ، فيما لو حصل ، إلى تعزيز الحياة السياسية والإقتصادية من خلال عملية إنتقاء الأكفاء الشرفاء من المسؤولين لقيادتها في هذه الظروف الصعبة ، عوضاً عن الاخطار المترتبة على ترك مقدرات الدولة بأيدٍ ضعيفة تفتقر إلى المؤهلات المطلوبة .
يقع الأردن الآن في حفرة من التحديات والأخطار تزداد عمقاً مع مرور الأيام. وهذا الواقع المر يترافق مع انحسار ملحوظ في عدد الخيارات المتوفرة للأردن للتصدي لتلك التحديات . لقد تقلصت تلك الخيارات مؤخراً مع تقلص قدرات الأردن الداخلية وأداءه السياسي الضعيف بشكل متواصل مما أفقد الأردن أي دور مؤثر ، وفي ظل غيابٍ ملحوظ للحريات السياسية وحرية التعبير مما أغلق الأبواب فعلاً أمام الحوار السياسي الداخلي الذي قد يدفع بالسياسات الرسمية إلى مسارات تكون أكثر إنسجاماً مع المصلحة الوطنية ومع المزاج الشعبي العام وتحظى بالتالي بدعم وتأييد الأردنيين ، عوضاً عن ابتعادهم عنها كما هو عليه الحال الآن وبالتالي خلق فجوة في التواصل بين الشعب والحُكْم .
يعاني الأردن الآن من تحديات سياسية تشمل القدرة على التصدي للمخططات الإسرائيلية القادمة في حقبة ما بعد الحرب على إقليم غزة ، بالإضافة إلى التحديات الناجمة عن المجهول السوري وأخطرها قد يكون مسار تقسيم سوريا إلى دويلات أو إلى مناطق نفوذ ، هذا بالاضافة إلى تحدي عدم إستقرار منطقة الشرق الأوسط عموماً وتعرضها المحتمل للعديد من عمليات التقسيم والتقليم التي قد تشمل دول عربية وغير عربية ، وأكثر هذه الدول احتمالاً للتعرض لعمليات عسكرية أو للتقسيم بعد كل ما تعرضت له لبنان وسوريا بهدف إزالة الوجود والنفوذ الإيراني تماماً ، هي دولة العراق العربية والمجاورة للأردن أيضاً مما يجعل الأردن بحكم موقعه الجغرافي محاطاً بحدود ملتهبة من الغرب والشمال والشرق .
أهمية الأردن اعتمدت تقليديا ً وتاريخياً على موقعه الجيوبوليتكي وعلى علاقـته الخاصة بفلسطين والفلسطينيين وقضية فلسطين وعلى إنتمائه العربي الملحوظ. وقد فشلت معاهدة وادي عربة، كما أثبتت الأحداث على أرض الواقع ، في إعطاء الأردن الأمن الإقليمي المنشود من خلال الإعتراف الإسرائيلي بحدوده واحترامها والامتناع عن تهديد مصالحه . وهكذا ، عاد وضع الأردن إلى مهب الريح بعد أن فشلت خططه في استجداء الأمان والأمن الإقليمي .
ضعف الأردن العسكري لن يشفع له في الابحار بسلام عبر العواصف القادمة ، بل على العكس ربما تفتح شهية البعض للضغط عليه أو لإستعماله أو للإنقضاض عليه مما يتطلب توفر قدر عالي من الوحدة الوطنية والرؤية السياسية الواضحة لماهية دور الأردن في الحقبة القادمة مما قد يساعد على تمتين الجبهة الداخلية ومضاعفة قدرتها على التعامل مع التحديات القادمة بما يحفظ مصالح الأردن وأمنه وإستقراره .
إن الإصرار على الإستفراد بالحكم لن يفيد الأردن بشئ ، ورهن الأردن لإرادة الأجنبي تحت أي غطاء أو عذر لن يجدي فيما لو تعارضت مصالح الأردن مع مصالح تلك القوة أو القوى الأجنبية المتنفذة على أرض الأردن . وهذا الوضع يتطلب الإستعانة بالكفاآت والقدرات الأردنية الأمر الذي أصبح الآن ضرورة وطنية حاسمة بعد أن عَانى الأردن طويلاً من غياب الكفاءة والأمانة في إدارة الشأن العام . وقد يكون الآن هو الوقت المناسب لوضع أسس جديدة للمملكة الحديثة القادرة على الإبحار في بحر التحديات بخطاب وطني أردني جديد يستند إلى الوحدة الوطنية والقدرة على استشراف مكامن الخطر ومكامن الضعف ومكامن القوة وإستغلالها بشكل يعزز من قدرة الأردن الجديد على النهوض والإعتماد على موارده الذاتية البشرية والطبيعية في إعادة بناء نفسه وبناء مصدات الرياح الخاصة به لوقايته من العواصف القادمة .