
#الأردن و #مستقبل_المهارات في المتوسط: من الرؤية إلى الفعل
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
في الثالث عشر من تشرين الأول 2025، احتضنت مالطا الاجتماع الوزاري المتوسطي ضمن مؤتمر السياسات رفيع المستوى بعنوان “استكشاف مستقبل الوظائف والمهارات في منطقة المتوسط”. وعلى مدار جلساته، تحوّل المؤتمر إلى منصة فكرية نابضة جمعت أكثر من ثلاثمائة مسؤول وخبير ووزير من ضفّتي المتوسط، لتبادل الرؤى حول ما ينتظر أسواق العمل في ظل التحولات التكنولوجية والبيئية المتسارعة، ولرسم خارطة طريق تُعيد صياغة العلاقة بين التعليم، والمهارة، والفرصة.
لم يكن اللقاء مناسبة بروتوكولية بقدر ما كان إعلانًا عن مرحلة جديدة من التفكير الجماعي في مصير الإنسان المتوسطي، وتحديدًا الشباب. فبين النقاشات التي سادت أروقة المؤتمر، برزت قناعة راسخة بأنّ الاستثمار في المهارات لم يعد ترفًا تنمويًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية وجود. خرج المؤتمر بعدة مخرجات جوهرية، كان أبرزها الدعوة إلى إصلاح سياسات التدريب والتعليم التقني بما يواكب الثورة الرقمية والاقتصاد الأخضر، وإطلاق خارطة طريق مشتركة تمتد حتى عام 2028 لتمكين الشباب والنساء، وتعزيز قدراتهم على دخول سوق العمل بثقة وكفاءة.
كما شدّد المشاركون على أهمية التعاون الإقليمي في تبادل الخبرات والاعتماد المتبادل للمؤهلات، وإطلاق أدوات تتبّع رقمية لقياس أثر السياسات، فضلًا عن دعم تحويل المعرفة العلمية إلى فرص اقتصادية ملموسة من خلال حاضنات الابتكار وريادة الأعمال. وقد كان البعد الإنساني حاضرًا بقوة في التوصيات، حيث أكّد الوزراء على ضرورة تمكين المرأة والشباب في كل مسارات التنمية، باعتبارهم الركيزة الحقيقية لأي نهضة مستقبلية في المنطقة.
بالنسبة للأردن، تمثل مخرجات هذا المؤتمر فرصة استراتيجية لتجديد مقاربة العمل والتعليم. فالأردن يمتلك من الطاقات الشابة والمؤسسات الأكاديمية ما يؤهله ليكون مركزًا متوسطيًا لتأهيل الكفاءات الرقمية وتطوير المهارات الخضراء. إذ يمكن ترجمة الدروس المستفادة من المؤتمر إلى مبادرات وطنية ملموسة تبدأ بمواءمة المناهج الجامعية والمهنية مع احتياجات الاقتصاد الجديد، وإطلاق منصات تبادل معرفي مع دول المتوسط، وتبني نظام تتبع وطني لمخرجات التدريب والتوظيف ينسجم مع النظم الإقليمية الحديثة.
كذلك، بإمكان الأردن أن يعزز مكانته كجسر رقمي بين المشرق والغرب، مستفيدًا من خبراته في التحول الرقمي وريادة الأعمال الشبابية، ومن بيئة استثمارية بدأت تكتسب ثقة الشركاء الدوليين. فكما أثبتت نقاشات مالطا، المستقبل لن ينتظر المترددين، بل سيكافئ من يُحسن قراءة التغيير ويستبق مساراته بخطط واضحة وشجاعة.
إنّ ما جرى في مالطا ليس مجرد مؤتمر عابر، بل لحظة وعي متوسطيّ بضرورة أن تتحدث دولنا بلغة المستقبل نفسها. والأردن، بقيادته الشابة وطاقاته الواعدة، قادر على أن يكون من صُنّاع هذه اللغة، يكتب فصولها بعقول شبابه، ويترجمها إلى فرص حقيقية تبني الإنسان قبل العنوان، والمستقبل قبل الشعارات.