#الأردن و #التحولات_الإقليمية !
المهندس: عبد الكريم #أبو_زنيمة
برزت الولايات المتحدة كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لبعدها الجغرافي عن ساحات المعارك ودخولها الحرب متأخرة وعدم تضررها منها مقارنة مع غيرها كالاتحاد السوفياتي الذي انتصر في الحرب لكنه دُمر بشكل شبه كامل وفقد 27 مليون مواطن ، استغلت الولايات المتحدة جبروتها الاقتصادي والعسكري لتهيمن على العالم المنهك في ذلك الوقت حيث نشرت قواعدها العسكرية في كافة ارجاء المعمورة ونصبّت أنظمة حكم تابعة تدير وتنفذ لها مشاريعها ومخططاتها ، وفيما يخص إقيلمنا فكل ما يهم أمريكا هو الطاقة وأمن إسرائيل، لذلك أوكلت لنظام الشاه في إيران ضمان الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية وأنيط بالسعودية ضمان الجانب الاقتصادي المتمثل بشريان البترول وربطه بالدولار الأمريكي.
نجاح الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 أحدث خللاً في هذه المعادلة وشكل خطراً كبيراً على المصالح الأمريكية “أمن الطاقة” وتهديداً مباشراً لأمن اسرائيل ، لذلك عملت قوى الشر العالمية بقيادة صهيوأمريكية على التصدي لهذه الثورة عبر الحصار والعقوبات ومصادرة وتجميد الارصدة وإذكاء كل أشكال الخلافات مع دول جوارها وشيطنتها كعدو رئيسي أول لأمتنا العربية وصولاً للحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمانية أعوام ومن ثم احتلال العراق للكويت الذي برر للجيوش الأمريكية و الأطلسية استباحة الأمن القومي العربي من أوسع الابواب واحتلالهم العراق عام 2003 وتدميره، رغم الحصار الخانق الا أن إيران تمكنت من بناء قدراتها العسكرية وادارة ملفاتها الداخلية بحكمة واقتدار حتى تمكنت من امتلاك عناصر القوة وخاصة العسكرية وأصبحت ذات نفوذ واسع اقليمياً .
بعد ثمانية أعوام من الحرب السعودية على اليمن وفشلها في تحقيق اي من اهدافها المعلنة وتعاظم القدرات العسكرية اليمنية المدعومة ايرانيًا ووصول الصواريخ والمسيرات اليمنية إلى عمق الاراضي السعودية واستهدافها لأهم منشآت الطاقة (أرامكو) عام 2022 وتكبدها خسائر كبيرة جداً تجاوزت 2 مليار دولار حسب بعض التقديرات على هذه الحرب وانكشاف الوجه الحقيقي لامريكا التي لطالما ابتزت السعودية بحجة حمايتها، والتي تبيّن أنها غير صادقة وغير جادة وغير قادرة على حمايتها وخاصة بعد فشل منظومات الدفاع الجوي الامريكية والغربية المنشأ باهظة الاثمان في التصدي للهجمات اليمنية، أدركت القيادة السعودية بأنها أصبحت مهددة وجوديًا ومن هنا كانت نقطة التحول في التفكير الاستراتيجي السعودي بأنه لا بد من إدارة التنافس مع ايران ووأد أو تخفيض مستوى التوتر والصراع معها للحد الأدنى لوقف نزيف الهدر المالي الذي لا يصب إلا في ارصدة شركات تصنيع الأسلحة الامريكية، وكذلك أيقن الامير محمد بن سلمان أن رؤيته الاستراتيجية لعام 2030 تتطلب توفر بيئة آمنة و استقرار إقليمي، ولذلك وقع الاتفاق السعودي الايراني بعد مباحثات سرية طويلة بين الطرفين، هذا الاتفاق ان توفرت لتنفيذه الارادة السياسية وخاصة عند الطرف السعودي فإنه سيحدث تطورا ملحوظًا للطرفين خاصةً وللإقليم عامةً وسينهي معظم الملفات الساخنة في المنطقة، كما سيكون لهذا الاتفاق تأثير مباشر في مخاض التحولات الكبرى العالمية .
للأسف فقد فرّطنا أردنيًا بكل خيوط اللعبة ، فبالرغم من توافر كل عناصر التأثير الهامة جدًا التي كنا نملكها لم يعد بحوزتنا ما نساوم عليه وسرنا ولا زلنا نسير حسب التوجيهات والإملاءات الامريكية اولاً والسعودية ثانيًا، فالأصل ونحن الأقرب والأولى بالقضية الفلسطينية وأصحاب الولاية على مسرى نبينا الكريم ان يكون هناك تشبيك بالعلاقة والتواصل مع كافة القوى الفلسطينية المناهضة للمشروع الصهيوني والتي مضمون وجوهر نضالها يشكل خط دفاع أول عن الأردن، وأن لا ينحصر تواصلنا بسلطة فاقدة للشرعية والتأثير، أما عربياً فالأصل ان نلتزم بأفضل علاقات مودة وحسن جوار مع الدول الشقيقة ولا ننخرط ولا نساهم ولا نسمح بأي مشروع عدائي تجاه أي منهم وأن لا نكون طرفًا فيه ، أما إقليميًا ودولياً فالأصل أن لا نتأثر بأي توجهات وسياسات عدائية تجاه الآخرين وأن تكون بوصلة علاقتنا الدولية هي مصالحنا وأهدافنا الوطنية ، للأسف، فإن إعادة الأمساك بخيوط اللعبة والتحكم بها من جديد يبدو مستبعداً جداً لعدة اسباب أهمها:
أولاً: تشويه وإفساد الحياة السياسية وتنصيب حكومات تنفيذية صورية مما تسبب بتفاقم حجم المديونية و تفشي الفساد وتحكم صندوق النقد والبنك الدولي بالسياسات الاقتصادية الهادفة الى تدمير كافة القطاعات الإنتاجية كمقدمة لانهيار الدولة وإسقاطها.
ثانيًا: غياب الرؤية السياسية الجامعة للقوى السياسية الفاعلة وعجزها عن التوافق فيما بينها على برنامج عمل إصلاح وإنقاذ وطني مما أفقدها ثقة الشعب الأردني.
ثالثًا: تكبيل الدولة بالاتفاقيات الاقتصادية والأمنية الموقعة والمعمول بها مع الكيان الصهيوني المحتل التي تجعل منه متحكمًا باقتصادنا وحصرنا في نطاق أهدافه ومصالحه مما يبعدنا عن التكامل مع أشقائنا العرب.
رابعًا: انتشار القواعد العسكرية الأمريكية غير الخاضعة للسيادة الأردنية على الأراضي الأردنية والتي تشكل منطلقاُ وتهديدا لدول الجوار وخطراً مباشراً على الوجود الأردني.
لجميع ما سبق، سنبقى خارج التحولات الإقليمية أو تابعين على أحسن تقدير وسنبقى ندور في دوامة المتاهة والتسويف والإبداع في فنون الرقص والتسحيج لمشاريع وهمية وإنجازات خرافية !