![](https://i0.wp.com/sawaleif.com/wp-content/uploads/2024/11/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A8%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9.jpeg?fit=765%2C686&ssl=1)
#الأردن وإعادة #ضبط_البوصلة: التوجه نحو #العمق_العربي و #الإسلامي
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لطالما شكلت السياسة الخارجية الأردنية مزيجًا من التوازن والحذر، سعيًا للحفاظ على المصالح الوطنية وسط تحولات إقليمية ودولية معقدة. إلا أن المشهد الحالي يفرض على الأردن إعادة ضبط بوصلته الاستراتيجية، متجهًا نحو عمقه العربي والإسلامي، حيث يبرز الشمال والشرق والجنوب – عبر سوريا والسعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وعُمان وتركيا – كوجهة أكثر جدوى وفاعلية من الاستمرار في الرهان التقليدي على الغرب، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة. في ظل تزايد الضغوط الأمريكية، لا سيما بعد تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب حول إمكانية تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، يجد الأردن نفسه أمام تحدٍّ استراتيجي يستدعي إعادة النظر في تحالفاته الخارجية، لضمان أمنه الوطني وسيادته.
تشهد المنطقة تغيرات جيوسياسية كبرى، حيث أصبح واضحًا أن الأولويات الغربية لم تعد تركز على قضايا الشرق الأوسط بنفس الزخم السابق، فيما باتت الدول العربية والإسلامية أكثر قدرة على التأثير في الملفات الإقليمية والدولية. في المقابل، تواصل الإدارة الأمريكية ممارسة ضغوط متزايدة على الأردن لقبول حلول تتعارض مع ثوابته الوطنية، مثل فكرة “الوطن البديل”، التي رفضها الأردن قيادةً وشعبًا بشكل قاطع. إن هذا الواقع يحتم على الأردن البحث عن خيارات بديلة تضمن استقلالية قراره بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، وتعزز علاقاته مع الدول العربية والإسلامية التي تشترك معه في المصير والتحديات.
ليس التوجه نحو العمق العربي والإسلامي مجرد تكتيك سياسي عابر، بل هو خيار استراتيجي يفرضه الواقع. فالأردن يتمتع بروابط تاريخية وثقافية واقتصادية عميقة مع هذه الدول، والتقارب معها يفتح أبواب التعاون في مجالات متعددة، سواء من خلال الاستثمارات الخليجية، أو من خلال التكامل الاقتصادي مع العراق وسوريا، أو عبر بناء شراكات قوية مع تركيا. في الوقت الذي تلوّح فيه بعض القوى الغربية باستخدام المساعدات المالية كأداة ضغط، فإن التعاون مع الدول العربية والإسلامية يمكن أن يوفر بدائل اقتصادية أكثر استدامة، بعيدًا عن القيود السياسية التي تفرضها الجهات المانحة الغربية.
العلاقات الاقتصادية الأردنية مع الغرب، رغم أهميتها، لطالما كانت مشروطة ومقيدة بشروط سياسية تمس أحيانًا جوهر السيادة الوطنية. على العكس من ذلك، فإن الدول العربية والإسلامية، بما تمتلكه من إمكانات مالية وسوق واسعة، تقدم فرصة للأردن لإعادة هيكلة اقتصاده وفق رؤية أكثر استقلالية. كما أن تعزيز التعاون مع هذه الدول في مشاريع النقل والطاقة والتجارة، يمكن أن يجعل الأردن مركزًا اقتصاديًا حيويًا في المنطقة، وهو ما يعزز أمنه الاقتصادي ويقلل من هشاشة اعتماده على الخارج.
إلى جانب البعد الاقتصادي، لا يمكن إغفال الأهمية الأمنية لهذا التحول في السياسة الخارجية. فالضغوط الأمريكية المستمرة على الأردن لقبول حلول كارثية للقضية الفلسطينية، مثل تهجير الفلسطينيين، تستوجب بناء تحالفات إقليمية أكثر صلابة لحماية الأردن من أي تداعيات خطيرة. التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدول العربية والإسلامية يعزز قدرة الأردن على التصدي للتهديدات الإقليمية، سواء تلك المرتبطة بالإرهاب، أو بمحاولات فرض حلول سياسية تتعارض مع مصالحه الوطنية. كما أن بناء جبهة عربية موحدة يساهم في التصدي لأي مشاريع تهدف إلى تغيير التوازن الديموغرافي في الأردن، بما يهدد استقراره الداخلي.
إن السياسة الخارجية الأردنية لطالما اعتمدت على دعم الغرب، ولكن من الواضح أن هذا الدعم لم يكن بلا ثمن، وكان دائمًا مشروطًا بقبول مواقف قد لا تتوافق مع المصالح الأردنية. أما اليوم، فإن تعزيز العلاقات مع الدول العربية والإسلامية يمنح الأردن مساحة أوسع للمناورة، ويقلل من الضغوط المفروضة عليه، سواء في ملف اللاجئين الفلسطينيين أو في الملفات الاقتصادية والأمنية. لم يعد الأردن قادرًا على تحمل تبعات الارتهان لسياسات القوى الكبرى، خاصة في ظل التحولات الدولية التي تجعل المصالح الغربية في الشرق الأوسط تتراجع لصالح أولويات أخرى.
في ظل هذه المعطيات، يجد الأردن نفسه أمام لحظة مصيرية، إما أن يواصل الرهان على الغرب رغم تراجع التزامه بقضايا المنطقة، أو أن يعيد تشكيل تحالفاته بما يتماشى مع مصالحه الوطنية. إن التوجه نحو العمق العربي والإسلامي ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لحماية الأردن من الضغوط الدولية، وتأمين مستقبله في بيئة إقليمية أكثر تعاونًا ودعمًا لمصالحه. الخيار واضح، والمصلحة الوطنية تفرض التحرك بسرعة لتعزيز هذا التوجه، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للأردن وأبنائه.