
#اقتراح #استراتيجية #حرب_الأنفاق في #الأردن
د. #أيوب_أبودية
تشهد المنطقة تصاعدًا في حدة التهديدات الإسرائيلية تجاه الأردن، وهو أمر ليس بغريب تاريخيًا، وقد أعلن نتنياهو ذلك علنا منذ مطلع التسعينيات في كتابه ” مكان تحت الشمس” لكنه اليوم يأتي في ظل مشهد إقليمي معقد، حيث تتداخل مصالح القوى الكبرى وتتغير موازين الأمن بسرعة. ورغم أن الأردن، كغيره من الدول العربية، يفتقر إلى القدرة على خوض مواجهة تقليدية مع جيش مدعوم تكنولوجيًا وعسكريًا من الولايات المتحدة بلا حدود، ولكن هذا لا يعني غياب خيارات الردع.
لقد علمتنا دروس المقاومة عبر التاريخ أن موازين القوة لا تُحسم بالجيوش النظامية وحدها. فقد حوّلت فيتنام في الستينيات طبيعة المواجهة مع الولايات المتحدة من خلال شبكة أنفاق “كو تشي” التي امتدت لمئات الكيلومترات، لتصبح مراكز تصنيع وملاجئ ومستشفيات مخفية. هذه الشبكات لم تكن مجرد ملاذ، بل كانت عصب حرب العصابات التي أرهقت الجيش الأميركي.
وفي سياق آخر، طورت المقاومة الفلسطينية في غزة أسلوبًا مشابهًا، حيث أصبحت الأنفاق تحت الأرض ميدان مواجهة حقيقي يصعب تدميره رغم التفوق الجوي الإسرائيلي، فيما استفاد حزب الله في لبنان من التحصينات والشبكات الأرضية لفرض معادلة ردع استراتيجية.
هذه النماذج توضح أن المعركة الحديثة تتطلب تفكيرًا إبداعيًا. ليس الهدف التصعيد، بل صياغة استراتيجيات ردع مرنة تستفيد من الموارد المحدودة والجغرافيا الأردنية، مع توظيف خبرات هندسية وعسكرية متراكمة. اذ يمكن إشراك العسكريين المتقاعدين في إدارة شبكات أنفاق دفاعية في المحافظات تُستخدم لتخزين وتصنيع السلاح عند الحاجة، ما يشكل عناصر قوة إضافية.
لكن التحديات لا تقتصر على الجانب العسكري، فالأمن الغذائي والمائي والطاقوي بات على المحك.اذ أثبتت الحروب المعاصرة أن البنية التحتية الحيوية – كالسدود ومحطات الكهرباء ومستودعات الوقود والقمح – هي أول أهداف الهجمات الجوية. وقد حذرنا مرارًا من مخاطر المفاعلات النووية في مناطق النزاع، كما يظهر جليًا في تهديد محطة زاباروجيا النووية الأوكرانية من قبل الجيش الروسي. من هنا، تصبح “المناعة الوطنية” استراتيجية لا بد منها لضمان استمرارية الحياة خلال أزمات طويلة الأمد.
التاريخ يقدم نماذج مُلهمة: فبريطانيا وزعت مخازن الوقود والغذاء تحت الأرض في الحرب العالمية الثانية، فيما بنت سويسرا شبكة ملاجئ وأنفاق قادرة على استيعاب سكانها بالكامل مع احتياطات غذائية ومائية ممتدة حتى في حال الحرب النووية. هذه النماذج تقدم خارطة طريق للأردن.
أولًا، يجب تنويع مصادر الطاقة عبر إنشاء محطات شمسية صغيرة موزعة في مختلف المناطق، مع بطاريات تخزين عالية الكفاءة مدفونة تحت الأرض، لضمان استمرار الكهرباء حتى في حال استهداف المحطات المركزية. الموقع الجغرافي للأردن وغناه بأشعة الشمس يجعلان من الطاقة المتجددة ركيزة استراتيجية دفاعية واقتصادية.
ثانيًا، تعزيز الأمن الغذائي يتطلب بناء شبكة صوامع ومخازن محصنة أو تحت الارض موزعة جغرافيًا، مما يقلل من هشاشة منظومة الإمداد الغذائي. هذه المقاربة تنسحب أيضًا على المستشفيات ومراكز الدفاع المدني والأمن العام، لضمان استمرارية الخدمات في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل.
ثالثًا، قطاع المياه، وهو الأخطر للأردن، ويحتاج إلى مقاربة مشابهة، عبر إنشاء محطات تحلية ومعالجة صغيرة الحجم موزعة، وحماية السدود والآبار، مع الاعتماد على الطاقة الشمسية لضمان استمرارية ضخ الإمدادات حتى في حالة الاستهداف.
هذه الرؤية ليست خيالًا علميًا، بل تطبيق عملي لفلسفة “الحرب غير المتكافئة”، حيث تتحول الموارد المحدودة إلى أدوات قوة استراتيجية.
الأردن اليوم أمام خيار التحول من الردع العسكري التقليدي إلى منظومة صمود وطني متكاملة، تجعل أي عدوان مشروعًا مكلفًا وفاشلًا، مع تعزيز جاهزية البلاد لمواجهة كوارث طبيعية محتملة كالزلازل والاعاصير والفيضانات في عصر التغير المناخي.
وفي زمن تُدار فيه الحروب بالطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة، لم تعد حماية الوطن حكرًا على الجيش النظامي، بل على قدرة المجتمع بأكمله على الصمود. من توزيع محطات الطاقة، الى حماية الغذاء والمياه، وبناء أنفاق دفاعية، والاكتفاء الذاتي هي خطوات عملية ضرورية لإفشال أي محاولة لإضعاف الدولة عبر استهداف بنيتها التحتية.
القوة الحقيقية اليوم تكمن في تكاتف الشعب خلف قيادة واعية، ومشروع خدمة العلم نموذج عملي لتعزيز هذا التماسك.