اصْنَعْ وَاقِعَكَ
الْكَاتِبَةُ:- هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ
قَالَ الشَّاعِرُ ” إِنَّ #الْبِطَالَةَ تَخْنُقُ الْإِنْسَانَ
تَجْعَلُهُ يُحِسُّ بِأَنَّهُ دُونَ #الْبَشَرْ ” .
فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السُّنِّيِّينَ ، شَهِدَتْ #الْحَيَاةُ عَلَى مِيلَادِ أَطْفَالٍ ، لَكِنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ فَقَطْ عَلَى مِيلَادِهِمْ بَلْ شَهِدَتْ أَيْضًاً عَلَى طُمُوحَاتِهِمْ وَ آمَالِهِمْ وَ أُمْنِيَاتِهِمْ الَّذِينَ خَلِقُوا مِنْ أَجْلِهَا ، نَاهِيكَ عَنْ الْهَدَفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِإِعْمَارِ #الْأَرْضِ ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) هُودٌ، آيَةٌ 61
وَ لَكِنَّنِي أَتَسْأَلُ هَلْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَضَعَ ” أُمْنِيَاتِي ، وَ طُمُوحَاتِي وَ آمَالِي ” تَحْتَ مُسَمَّى عِمَارَةَ ، أَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ تَحْتَاجُ إِلَى تَطْبِيقٍ فِعْلِيٍّ وَ لَا تُبْنَى ، وَهِيَ فَقْظٌ مَحْضُ الْخَيَالِ نَعَمْ وَ بِالتَّأْكِيدِ هَذَا صَحِيحٌ ، لَكِنَّنِي أَنَا أَحْلُمُ مُنْذُ كُنْتُ طِفْلًاً صَغِيرٌ ، كُنْتُ أَحْلُمُ أَنْ أَكُونَ طَيَّارًاً ، وَ أَخِي كَانَ يَحْلُمُ أَنْ يَكُونَ مُهَنْدِسًاً وَ صَدِيقِي كَانَ يَحْلُمُ أَنْ يَكُونَ مُحَامِيًاً ، وَ كَبُرَتْ مَعَنَا أَحْلَامُنَا وَ وَصَلْنَا ” الثَّانَوِيَّةَ الْعَامَّةَ ” وَ نَحْنُ نَكُدُّ وَ نَتْعَبُ وَ نَجْتَهِدُ حَتَّى نَصِلَ لِأَحْلَامِنَا ، وَ كَمْ كُنَّا فَرِحِينَ أَنَّنَا اقْتَرَبْنَا مِنْ تَحْقِيقِ أَحْلَامِنَا رُوَيْدَاً رُوَيْدَاً ، وَ بِالْفِعْلِ عِنْدَمَا أُعْلِنَ قَبُولُنَا فِي الْجَامِعَاتِ وَ بِتَخَصُّصَاتِ ِأَحْلَامِنَا، أَصْبَحَ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ صَغِيرًاً عَلَيْنَا مِنْ شِدَّةِ الْفَرْحَةِ وَ اقْتِرَابِ الْأَمَلِ ، كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى أَسْوَارِ جَامِعَتِنَا وَ نَتَبَادَلُ الْأَحَادِيثَ الْخَيَالِيَّةَ ، أَنَا أَقُودُ الطَّائِرَةَ بِاحْتِرَافٍ وَ سَأَذْهَبُ إِلَى مَوْعِدِ رِحْلَتِي وَ كَأَنَّنِي ذَاهِبٌ إِلَى مَحْبُوبَتِي ” بِلَهْفَةٍ وَ اشْتِيَاقٍ ” .
وَكَيْفَ لَا تَكُونُ مَحْبُوبَتِي وَأَنَا انْتَظَرْتُهَا مُنْذُ الصِّغَرِ وَ أَحْلُمُ بِهَا .
أَحْلُمُ أَنْ أُمْسِكَ مِقْوَدَهَا بِهَاتَانِ الْيَدَانِ وَ أَحْلِقَ وَ أَحْلِقَ فِي أَعَالِي السَّمَاءِ وَ أَغُوصُ بَيْنَ الْغُيُومِ ، قَاطَعَنِي أَخِي وَقَالَ لِي ” أَمَّا أَنَا سَيُطْلَقُ الْعَالِمُ بِأَسْرِهِ لَقَبَ ” الْبَاشَا مُهَنْدِسٍ ” وَ سَأَقُومُ بِإِنْشَاءِ جِسْرٍ جَمِيلٍ، يُعْطِي مَنْظَرًا خِلَابًا لِلْمَارِّينَ وَ الرَّاكِبِينَ وَ يَشْعُرُونَ بِرَوْعَةِ الْمَنْظَرِ ، خَاصَّةً فِي اللَّيْلِ حَيْثُ النُّجُومُ تَتَلَأْلَىءُ فِي عَتَمَةِ اللَّيْلِ وُضُوءَ الْجِسْرِ بِجَمَالِ إِنْشَائِهِ يَبْهَرُ الْعَالَمَ بِتَصْمِيمِهِ وَ يُخَفِّفُ الْأَزْمَةَ لِلْمَارَّةِ وَيَصِلُونَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ ، الْأَمَاكِنَ الَّتِي يُرَدُّونَهَا بِكُلِّ سَلَاسَةٍ وَ يُسْرٍ وَ يَقُولُونَ بَيْنَ أَنْفُسِهِمْ ” مَا أَعْظَمُكَ أَيُّهَا الْمُهَنْدِسُ ” ، نَظَرَ صَدِيقِي إِلَيْنَا نَظْرَةً فِيهَا سُخْرِيَةٌ وَ يَعْلُوهَا الْغُرُورُ وَقَالَ ” أَنْتُمْ سَتَكُونُونَ بَعِيدِينَ عَنْ النَّاسِ وَ مَشَاكِلُهُمْ سَتَكُونُونَ بَعِيدِينَ كُلِّ الْبُعْدِ عَنْ آلَامِهِمْ وَ مَشَاكِلِهِمْ الَّتِي لَنْ تَنْتَهِيَ ، سَأَكُونُ أَنَا سَنَدَهُمْ وَ الْمَدَافِعُ عَنْهُمْ بَعْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، سَأَجْلِبُ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ وَ أَكُونُ أَنَا الْيَدُ الَّتِي تُمَدُّ لَهُمْ عِنْدَ الْوُقُوعِ ، وَ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ نَظْرَةً كَانَتْ تَمْلَأُهَا الطُّمُوحُ وَ تُمَنِّي هَذَا الْيَوْمَ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ ،وَثَبْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَأَخِي وَثْبَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَأَخَذْنَا نَضْرِبُهُ بِسُخْرِيَةٍ وَهُوَ يَضْرِبُ بِنَا وَ ضَحِكَاتُنَا كَانَتْ تَمْلَئُ الْمَكَانَ .
كُنَّا نَتَصَارَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ مِنَّا مِهْنَتُهُ أَفْضَلُ وَ أَجْمَلُ وَ تَخْدِمُ النَّاسَ أَكْثَرَ .
كَانَ أَكْبَرَ هَمِّنًا ” الِامْتِحَانُ الْفُلَانِيُّ ، الدُّكْتُورُ الْفُلَانِيُّ ، مَوْعِدُ الِامْتِحَانِ لَا يُنَاسِبُنَا ، جَدَاوِلَ الْمُحَاضَرَاتِ ، الشَّعْبُ الْمُغْلَقَةَ ، مُعَدَّلُنَا ” ، وَلَكِنْ كَانَ الْهَمُّ الْأَكْبَرُ مِنْ بَيْنِهِمْ “
مَتَى أَتَخَرَّجُ ” وَ أَذْهَبُ إِلَى سُوقِ الْعَمَلِ .
وَأَتَى الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ ” يَوْمَ التَّخَرُّجِ ” هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كُنَّا نَحْلُمُ فِيهِ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ ، هُوَ الْآنَ بَيْنَ أَيْدِينَا ، لَقَدْ أَنْجَزْنَا ، نَعَمْ وَصَلْنَا إِلَى طُمُوحِنَا وَ نُحْمِّلُ الْآنَ بِيَدَيْنَا ” شَهَادَتُنَا ” ، تُثْبِتُ أَنَّنَا حَقَّقْنَا طُمُوحَنَا .
وَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ طَلَبٍ وَ تَقْدِيمِ الْوَظِيفَةِ ، شَعَرْتُ بِشَيْءٍ غَرِيبٍ ، لَا أَعْلَمُ مَا هُوَ وَ لَكِنَّنِي صَدَمْتُ ، تَابَعْتُ الْبَحْثَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ الثَّالِثَ … حَتَّى امْتَدَّتْ إِلَى سَنَتَيْنِ ، أَصْبَحَ الْأَمَلُ الَّذِي كَانَ كَالْجَبَلِ يَتَلَاشَى شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ بِمِقْدَارِ النَّمْلَةِ ، هُنَا أَيْقَنْتُ أَنَّ شَهَادَاتِي عِبَارَةٌ عَنْ ” كَرْتُونَةٍ ” تُعَلَّقُ عَلَى جُدْرَانِ مَنْزِلِي ،وَيَجِبُ أَنْ أَتَخَلَّى عَنْ حِلْمِي الْآنَ حَتَّى أُسَاعِدَ أَبِي وَ أُخَفِّفَ عَنْهُ مُتَطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ الَّتِي أَثْقَلَتْ ظَهْرَهُ ، أَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ بِسَبَبِ قَرَارَي هَذَا سَتَدِبُّ الْحَسْرَةُ فِي قَلْبِ أُمِّي وَ يَتَضَايَقُ صَدْرُ أَبِي ، لَكِنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مِنِّي ، إِنَّهَا الْبِطَالَةُ ،
وَلَوْ كَانَتْ الْبِطَالَةُ بِشَرَ لَقَتَلَتْهَا .
قَرَّرْنَا مُحَارَبَةَ ثَقَافَةِ الْعَيْبِ وَ تَأْجِيلَ تَحْقِيقِ أَحْلَامِنَا إِلَى إِشْعَارٍ آخَرَ فَعَمِلْتُ أَنَا سَائِقٌ ” تِكْسِي ” لِلْمُسَافِرِينَ وَ الْقَادِمِينَ ، وَ أَخِي عَامِلٌ فِي وَرْشَاتٍ هَنْدَسِيَّةٍ ، وَ صَدِيقِي
أَصْبَحَ بَيْتُهُ ” مُدَرِّسَهُ ” يَدْرُسُ فِيهَا طُلَّابُ الْمَدَارِسِ
مَوَادُّهُمْ الْمَدْرَسِيَّةُ .
لَكِنْ كَيْفَ هَذَا أَنَا أَتَحَوَّلُ مِنْ طَيَّارٍ ” سَائِقٍ فِي الْجَوِّ إِلَى سَائِقٍ فِي الْبَرِّ “.
وَأَخِي مِنْ مُهَنْدِسٍ إِلَى عَامِلٍ فِي وَرْشَاتٍ هَنْدَسِيَّةٍ .
وَ صَدِيقِي مِنْ مُحَامِي إِلَى مُدَرِّسٍ خُصُوصِيٍّ .
وَلَكِنْ هُنَالِكَ تَسَآلُ : هَلْ نَحْنُ حَارَبْنَا طُمُوحَاتِنَا أَمْ حَارَبْنَا ثَقَافَةَ الْعَيْبِ ؟
تَذَكَّرْتُ بَيْتَ شِعْرٍ علمونا اياه في الصغر وَ لَكِنَّنِي لَمْ أَكْتَرِثْ بِهِ
”مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ … تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ”
لَكِنْ لَمْ يَعْلَمُونَا بَاقِيَ الْقَصِيدَةِ :
تَجْرِي الرّيَاحُ كَمَا تَجْرِي سَفِينَتُنَا… … نَحْنُ الرّيَاحُ وَنَحْنُ الْبَحْرُ وَالسّفُنُ
إِنّ الَّذِي يَرْتَجِي شَيْئًا بِهِمّتِهِ … … يَلْقَاهُ وَلَوْ حَارَبَتْهُ الْإِنْسُ وَالْجِنُ
فَاقْصِدْ إِلَى قِمَمِ الْأَشْيَاءِ تُدْرِكُهَا … … تَجْرِي الرّيَاحُ كَمَا رَادَتْ لَهَا السُفُنُ
الْبَيْتُ الْأَوَّلُ يَدْعُو لِلرّضَا بِالْوَاقِعِ
أَمّا بَقِيَّةُ الْأَبْيَاتِ فَتَدْعُوا لِصِنَاعَةِ الْوَاقِعِ.