استيراد الغاز من التنين! / د . أيّوب أبو ديّة

استيراد الغاز من التنين!
الدكتور أيّوب أبو ديّة
مركز الدراسات الاستراتيجية للطاقة

هناك ثلاث قضايا تتعلق بإشكالية استيراد الغاز من إسرائيل أولها أن موقع هذا البئر ليفايثان (وهو اسم للتنين التوراتي) مختلف عليه مع الحكومة اللبنانية، حيث هناك إشكاليات كبيرة لم تحل بعد إذ تدّعي لبنان أن جزءًاَ من الغاز والنفط في تلك المنطقة هو مشترك مع لبنان. والمشكلة تزداد تعقيداً لأن إسرائيل لم توقع أو تصادق على اتفاقية قانون البحار للأمم المتحدة لعام 1982 وبالتالي تصرح أنها سوف تقوم بمعالجة وحل هذه القضايا مباشرة مع لبنان، الأمر الذي يجعل من القضية في غاية التعقيد وعلى الأرجح أنه لن يتم الاتفاق عليها في العقود القادمة.
أما القضية الإشكالية الثانية فهي التكلفة العالية للاستثمار في حقل ليفايثان فإن حفرة سبرية استكشافية واحدة في هذا الحقل عند أعماق كبيرة تكلف أكثر من مئة مليون دولار، فضلاً عن تكلفة الأنابيب والمنصات العائمة والحماية الأمنية للموقع وخطوط النقل في منطقة دائمة التوتر بفعل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. لذلك فإن أغلب الصعوبات كانت لدى شركةNoble Energy الأمريكية وشركائها الإسرائيليين كشركة Delek وغيرها تتمثل في الحصول على التمويل الضروري للشروع في الاستثمار في ذلك الحقل الذي يتطلب مليارات الدولارات، وبخاصة لأن حجم الغاز في هذا الحقل يقترب من 20 ترليون قدم مكعب وهو أكبر من الاحتياطي المتوافر في حقل تمار الأقرب إلى الشواطئ الفلسطينية والذي شرع يزود الأراضي المحتلة منذ عام 2013 باحتياجاتها من الغاز لتوليد الكهرباء ولحاجات صناعية أخرى (يبلغ حوالي 10 ترليون قدم مكعب). وهناك الحقل الغازي المكتشف في مصر، وهو حقل “زهر” الاكبر من حقل تمار الإسرائيلي بكثير إذا تبلغ التقديرات الأولية بنحو 30 ترليون قدم مكعب؛ وهذه الكميات بالرغم من أنها تبدو هائلة ولكنها لا شيء مقارنة باحتياطي الغاز في إيران مثلاً الذي يشكل نحو 18,2% من احتياطي العالم وأيضاً روسيا 17,3% وقطر 13,1% بالإضافة إلى الإنتاج الهائل من الغاز في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) عبر تطوير تقانات استخراج الغاز من الصخر الغازي الأمر الذي جعل أسعار الغاز تهبط في السنوات الأخيرة هبوطاً كبيراً أسوة بأسعار النفط. أما احتياطي إسرائيل من الغاز فيشكل 0,1% من الاحتياطي العالمي وهو رقم شبيه بما لدى اليمن والبحرين، على سبيل المثال.
إذاً، هي كميات بسيطة جداً (قطر لديها احتياطي يصل إلى نحو 900 ترليون قدم مكعب) فلماذا كل هذه الضجة حول الغاز الإسرائيلي حيث إنها كميات بالكاد تكفي حاجة إسرائيل نفسها لعقدين قادمين، وبخاصة لأن الاتفاقية الأردنية لمدة 15 عاماً وبقيمة 10 مليارات دولار سوف يخصص لها نحو10 % من طاقة ذلك الحقل؟
الإجابة تكمن في أن المستثمرين في ذاك الحقل بحاجة إلى توقيع بضعة عقود أخرى مشابهة للعقد الأردني على الأرجح مع شركات إسرائيلية وشركات مصرية بحيث تؤمن مبيع على الأقل ثلث هذا الحقل فيصبح بذلك مشجعاً للشروع في الاستثمار فيه وبيعه ابتداء من عام 2020، لأن العمل فيه يتطلب على الأقل ثلاث سنوات للشروع في إنتاج الغاز. وبما ان سعر الغاز قد بات في الحضيض وغزا الغاز الصخري الاميركي العالم فقد غدا من الصعب التفكير في تصديره إلى تركيا أو اليونان لارتفاع التكلفة وانخفاض المردود الاقتصادي علماً بأن مصر وإسرائيل لديها البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز. ولكن السبب الاهم هو تقوية اعتماد الاردن على اسرائيل وترسيخ اتفاقية السلام.
وهنا يتساءل المرء عن مصلحة الأردن في هذا السياق بالتعاقد مع دولة ما تزال ترفض الجلوس على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين وما زالت تتوسع في الاستيطان! فلماذا هذا التهافت لإبرام هذا العقد مع كميات محدودة جداً مقارنة بما هو متوافر في العالم سواء في قطر أو في أذربيجان أو حتى في مصر؟ ومن اللافت أيضاً أن الأردن قد نجا من كارثة اقتصادية فقد كان من الممكن توقيع الاتفاقية عام 2014 بسعر 15 مليار دولار ولكن محكمة العدل العليا في إسرائيل أوقفت التوقيع على أي اتفاقيات لغاية تحديد حصتها فيما ضمنت الشركات المستثمرة استقرار التشريع الضريبي وغيره لمدة عشر سنوات على الأقل. وقد انتهت الازمة منذ بضعة شهور فقط فسارع الاردن لتوقيعها بسعر اقل لانخفاض الاسعار عالميا.
وبناء عليه فإننا نلاحظ أن القيمة قد انخفضت إلى 10 مليار دولار نتيجة انخفاض أسعار الغاز عالمياً. ومن غير الواضح ما هي الأسعار المتفق عليها والتي نرجح أن تكون حوالي 6 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وربما تكون قابلة للارتفاع اذا ارتفع سعر النفط عن حد معين؛ وهو رقم معقول على صعيد عالمي. ولكننا لا نعلم إذا كانت هناك شروط جزائية في حال تأخرت إسرائيل عن توريد الغاز أو في حال تعرض الأنبوب إلى اعتداء كما حدث مع أنبوب الغاز المصري من العريش إلى العقبة؛ فهل سيتم تعويض الأردن على غرار ما نجحت إسرائيل في تحقيقه هذا العام في الحصول على تعويض مقداره 1,7 مليار دولار من مصر نتيجة انقطاع الغاز المصري عن إسرائيل، فيما تم أيضاً سجن وزير الطاقة المصري الأسبق سميح فهمي نتيجة توقيعه على اتفاقيات بيع بأسعار متدنية جدا لإسرائيل.
أما الإشكالية الثالثة وهي تزامن وصول الغاز إلى الأردن مع بداية إنتاج المفاعلات النووية من الكهرباء. فإذا كان المشروع النووي الأردني سوف ينتج الكهرباء حقاً في عام 2022 – 2025، فذلك يتزامن مع وصول الغاز الإسرائيلي، فكيف تصح الأمور عندذاك؟ بمعنى أنه إذا كان إنتاج المفاعلين النوويين بقدرة توليدية 2200 ميجاواط من الكهرباء في بلد سوف يكون بحاجة إلى تقريباً 4000 ميجاواط اذا طبقت سياسات ترشيد الاستهلاك المعلنة، أي أن حوالي 60% من حاجتنا من الكهرباء سوف يتم تزويدها من المفاعلات النووية، فأين سنذهب بما تبقى من الغاز، حيث أن توليد باقي حاجتنا من الكهرباء لن يحتاج الى أكثر من ثلث الكمية المستوردة وبخاصة في ضوء تنامي مساهمة الطاقة المتجددة الى نحو 20% في ذلك الزمن، فضلا عن مشاركة الصخر الزيتي التي ما زلنا نجهل اسباب تعثرها. لذلك نأمل أن تكون الحكومة قد وضعت خططاً لتزويد البيوت والمصانع من هذا الغاز حتى لا تصبح لدينا مشكلة في تسويقه. ويظل السؤال، ماذا سيحدث للاتفاقية إذا اكتشف الغاز في الأردن؟
وأخيراً عبّر الشعب الأردني عن موقفه من استيراد الغاز من إسرائيل بطريقة حضارية راقية بإطفاء الأنوار قبل أيام ولمدة ساعة واحدة، وللأسف الشديد قامت شخصية اقتصادية حكومية بالتندر بأن ذلك لن يؤثر على شركة الكهرباء وكأن الشعب هو عدو شركات الكهرباء أو الحكومة! إذ نأمل في المستقبل أن يتم النظر إلى موقف المواطنين بطريقة إيجابية بوصفهم شركاء مع شركة الكهرباء والحكومة وداعمين للحكومة في قراراتها الكبيرة واتفاقياتها الدولية الاخرى، وعلى الحكومة أن تسترشد بآراء الشعب وتوجهاته وعواطفه وطموحاته في ظل ما يحدث من تنكيل بالشعب الفلسطيني وإهمال حقوقه المشروعة. وربما تكون خطوة الحكومة الأخيرة بتخفيض بعض أسعار الكهرباء نوع من التوجه لإرضاء الناس ولكن التخفيض الهامشي لبعض فئات المستهلكين لن يؤثر في توجهات الناس الوطنية لأن هذه القضايا المصيرية والمشاريع الكبيرة ينبغي مناقشتها في مجلس النواب واستئناس اراء مؤسسات المجتمع المدني، فلا يجوز التلاعب بالتعرفة وفق المزاج الخاص طالما هناك ثلة فاضلة منتخبة من نواب الشعب سوف تجلس قريباً تحت القبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى