
احمد عبيدات : رجل ومواقف
احمد عبيدات من ملازم في المخابرات العامة الي رئيس وزراء الاردن هو مساهم في صنع تاريخ الاردن.
وكلمة دولة احمد عبيدات في تآسيس حزب الشراكة و الانقاذ في بداية عام ٢٠١٨، هي ليست محاضرة أو كلام عابر وانما تعزيز اخلاقيات ونهج سياسي مبن علي إرث ثري ذو قدرة على التجربة، المباشرة، وتوليد طاقة عشق الارض الاردنية من حياة مليئة بالخبرات والمواقف المشرفة والتي جعلت حديث احمد عبيدات ملهما جدا..
ان اعادة قراءة مضامين كلمته هو تشجيع للشعب بكل طبقاته على التفكير بعمق أكبر حول كيفية تطبيق رسائل الممارسة الوطنية والادارة النظيفة الخالية من الفساد في الحياة السياسية والاقتصادية العامة والخاصة.
لقد تحدث عن التلاحم و فضل الشعب في ذلك في بدايات تآسيس المملكة، والتعطش للتغيير والتجديد، والفساد المستشري، وتقصير الحكومات، والتبعية للخارج، والسياسات الهجينة التي رهنت الطاقة بيد إسرائيل من خلال ثلاث حكومات، وإختلالات في إدارة الدولة عبر حكومات متعددة حولت شرائح واسعة من الاردنيين إلى”متسولين”، والرشوة والفساد اللذان يضربان في كل المفاصل وكيف تم إفساد التعليم والزراعة والتجارة.
لقد قدم مرافعة وطنية صادقة ضد طبقات متراكمة من حكومات لم تكن فقط فاسده وانما ساهمت وساعدت علي الفساد وتحويل مسار الدولة الاردنية من خلال اصدار قانون انتخاب فريد وغريب عام ١٩٩٣ و تزوير الانتخابات في عام ٢٠٠٧.
واشار الى اتفاقية وادي عربة الموقعه عام ١٩٩٤ وقعت مع عدو خطير لايريد السلام واضعفت الاردنيين.
للجيل الجديد، نذكر بأن أحمد عبيدات جاء من حرثا في لواء بني كنانة التابع لمحافظة اربد و تدرج الي ان اصبح مديرا للمخابرات الاردنية ١٩٧٤ الي ١٩٨٢، ثم وزيرا للداخلية ثم رئيسا لمجلس وزراء الاردن الاسبق ١٩٨٤ الي ١٩٨٥، وهو حاصل على شهادة الحقوق من جامعة بغداد.
التقيته في مناسبات عدة، بداية في عزاء رئيس وزراء الاردن الاسبق احمد طوقان ، في بداية الثمانينات و كان مديرا للمخابرات حينها، في دار العزاء بالشميساني خلف البنك العربي الحالي، و سئلني :” هل هذا المنزل (الصغير) هو منزل المرحوم احمد طوقان؟، و كانت الاجابة يا سيدي دولة احمد طوقان لا يملك بيتا و انما هو متسأجر”. فتعجب ولمحت في عيناه “الاحترام و التقدير لشخص الراحل و امانته و نزاهته نظافة يده. كان في ذلك الوقت احمد عبيدات هو اول من اسس دائرة لمكافحة الفساد في الاردن.
وكان اعجابي بالرئيس احمد عبيدات من تلك اللحظة لان عيناه دوما تنطق بالصدق وقلبه يتحدث بعشق الارض ويشعر بذلك كل من جلس اليه وجالسه. يتحدث بحراره الي محدثه و يلتصق بوجدانه.
و استمعت اليه و هو رئيس وزراء في ندوة عن الشباب و كيف هو الهم الوطني ؟، و كيف يجب العمل ضمن مفاهيم الانتماء و التلاحم و الوطنية الصادقة.
عشر سنوات او اقل ،وبعدها في بداية الالفية الثانية ، التقيته بعد الظهر في مكتبه القانوني،في شارع مجمع النقابات المهنية في عمان، وسمح لي بساعة من وقته الثمين، وكان الذي رتب لي اللقاء السيدة وصفية التل ، شقيقة رئيس الوزراء الاردني وصفي التل.والتي ادين لها بهذا اللقاء مع هذه القامة الوطنية الكبيرة.
هذا اللقاء كان كافيا لاختصار شريط وتاريخ الاردن في درس وطني لن انساه، فقد جلست استمع اليه بشغف وهو يشرح ويستفيض عن طبيعة العلاقة بين الحاكم و الشعب، عن الاختيارات، عن المستقبل، عن معان الانتماء عند الشباب، و من خلال حديثة وضحت لي ابعاد الصورة واصبحت متفهما للكثير من القضايا واخلاقيات السياسة ومعان الوطنية المفقودة.
و اعترف هنا ان بفضل هذ اللقاء ومفاتيح فك القيود التي منحني اياها،و الشفرة التي حلها امامي، جعلت سمكتي التي كانت لا تقدر الا ان تعيش في الماء المحلي ان تنطلق من الماء الي الهوآء لتستنشق اكسجين الحياة خارج اطار “ المزارع السمكية المدجنة و الهجينة”. وغادرت المكتب والاردن في أن واحد فقد فهمت طبيعة الصراع غير المتكافيء والاغلاقات و المتاريس الموضوعة.
في كلمته التي القاها ، اعاد استخدام نفس المصطلحات “الالتحام” و ” الهجينية “ فاعاد الي الذاكرة ما استمعت اليه من قرابة عشرين عاما و التي تؤكد صدق المباديء لديه، ورجولة مواقفه ووطنتيه و ثباته الاخلاقي السياسي، في زمن قل تواجد ذلك.
احمد عبيدات، الذي وقف ضد معاهدة السلام واستقال في موقف يذكر له ويحترم عليه، بغض النظر عن رأى مؤيدين او بعض من المتصيهيين والمنتفعين، ومشاركته جموع الشعب في مظاهرات ضد الفساد و الفاسدين، واحاديثه الصادقة و تحليلاته لاجل الوطن الاردني لهي من اكبر الادلة علي ان الامل في بوارق الفكر الاردنية باقية مثمرة.
و بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معه فقد قدم محاور لا بد من مناقشتها و تحليلها و البناء عليها ، فهكذا تبني الاوطان و هكذا يؤسس للفكر والراي و الراى الآخر.
الكثير من رؤوساء الحكومات يقدمون محادثات بعنوان “الاردن والاوضاع الراهنة”. ويشعر الحضور ان احاديثهم اما دفاعا مستميتا عن مواقف اغضبت للشعب او تبريرا لما يحدث علي الساحة من قرارات في الغالب اتت علي مستقبل الشعب والدولة ، و الحديث دوما على ما يهم أكثر لهم.
وبينما يتكلمون هواء الوزراء السابقون او رؤساء الحكومات، لا يسع الجمهور إلا أن يدرس السؤال نفسه: ما هي الحكمة التي اتت بنا لنستمع لهولاء السادة اذا ما علمنا أنها كانت فرصتهم الأخيرة؟ ولن يعودوا ؟ إذا كان عليم أن يختفوا من الساحة السايسية غدا، ما الذي ارادوا للشعب ان يرثه من احاديثهم؟
احمد عبيدات “رجل من رجالات الدولة “ ومفكر مختلف لا مفر من الاستماع اليه و لديه كثير من الارث للاجيال.
aftoukan@hotmail.com