
#إيران بعد_الحرب: دولة أُنهِكت… لكنها لم تُهزم
بقلم: الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة
بعد اثني عشر يومًا من القتال العنيف والمباشر بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خرجت طهران من المعركة مثقلة بالجراح، لكنها لم تنهَر. لقد كشفت الحرب الأخيرة عن مواطن ضعف خطيرة في المنظومة العسكرية الإيرانية، وأكدت محدودية استراتيجية “الحرب بالوكالة” التي اعتمدتها طهران لعقود عبر أذرعها في المنطقة. ومع ذلك، لم تكن هذه المواجهة نقطة تحول حاسمة أو “لحظة واترلو” كما أمل البعض، بل كانت محطة أخرى في صراع طويل ما زال مفتوحًا على احتمالات كثيرة.
ما تعرضت له إيران من تدمير جزئي لمنشآتها النووية، وتصفية قيادات عسكرية بارزة، وتراجع تكتيكي في قدرات وكلائها، هو دون شك ضربة قاسية. لكنها لم تكن ضربة قاضية. فالنظام في طهران، رغم كل الخسائر، ما زال متماسكًا داخليًا، ويواصل بث رسائل القوة والتحدي، سواء عبر إعلامه الرسمي أو عبر سياساته الإقليمية المتواصلة. اللافت في تقييمات عدد من المحللين، أن إسرائيل نجحت عسكريًا، لكنها لم تنتصر سياسيًا حتى اللحظة. فإيران لم تغير خطابها، ولم تُظهر أي مؤشر حقيقي على مراجعة سلوكها، سواء داخليًا تجاه شعبها المتنوع إثنيًا ومذهبيًا، أو خارجيًا تجاه جيرانها، ولا سيما العرب.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تستفيد إيران من هذه الهزة العنيفة لإعادة التفكير في سياساتها؟
هل يُمكن أن تشكّل الحرب الأخيرة نقطة مراجعة داخلية تُعيد الاعتبار للمواطن الإيراني، وتُطلق عملية مصالحة وطنية حقيقية تشمل القوميات المهمّشة كالأذريين، والبلوش، والعرب، والأكراد؟ وهل تملك طهران الشجاعة السياسية لتتخلى عن وهم التمدد الإقليمي وتتجه نحو سياسة حسن الجوار؟
للأسف، لا مؤشرات حتى اللحظة توحي بذلك. بل على العكس، يبدو أن النظام يسير على الطريق ذاته، مستعينًا بخطاب المقاومة والمظلومية لامتصاص الغضب الداخلي، وإعادة حشد القاعدة المؤيدة له، فيما يتحمل المواطن الإيراني وحده تبعات العقوبات، والعزلة، والتراجع الاقتصادي.
إن الإصرار على الاستمرار في نفس النهج سيؤدي حتمًا إلى مزيد من العزلة الإقليمية والدولية، وإلى إضعاف موقع إيران حتى في أوساط من كانوا يرون فيها قوة ممانعة. فالدبلوماسية القائمة على التهديد لا تصنع حلفاء، والسياسات التي تغلّب الأمني على الاقتصادي لا تبني دولًا، بل تُنتج دولًا مُحاصرة، يُستنزف فيها الشعب بينما تبقى النخبة الحاكمة محصّنة خلف جدران أجهزتها.
لا شك أن إيران تمتلك من الموارد، والعقول، والموقع الجغرافي ما يؤهلها لأن تكون قوة إقليمية تحظى بالاحترام بدل الخصومة. لكن ما لم تُراجع طهران أولوياتها، فإنها ستجد نفسها تدريجيًا محاصرة من كل الاتجاهات، داخليًا عبر غضب شعبي لا يهدأ، وخارجيًا عبر تحالفات تتشكل لمواجهتها لا لمهادنتها.
الحرب الأخيرة كانت تحذيرًا… لكنها قد تكون أيضًا فرصة. والمسؤولية تقع الآن على صانع القرار الإيراني: إما أن يختار طريق الحكمة، أو يستمر في سياسة المكابرة… حيث يكون الخاسر الأكبر دائمًا هو الشعب الإيراني، لا النظام.