” إنقلاب دموي !!! “
مهند أبو فلاح
استيقظت العاصمة السورية دمشق على أزيز الرصاص و دوي الانفجارات و لأول مرة منذ عشرين عاما و تحديدا منذ جلاء المستعمر الفرنسي عنها في 17 نيسان / ابريل من العام 1946 ، فلقد شهدت سورية في 23 شباط / فبراير من العام 1966 انقلابا دمويا فريدا من نوعه في تاريخ سورية الحديث و هو الانقلاب الذي عُرِفَ في الأدبيات البعثية باسم الردة الشباطية و هو الانقلاب الذي أطاح بنظام الرئيس محمد أمين الحافظ .
الانقلاب الدموي في دمشق الفيحاء نتج عنه اعتقال العديد من رموز القيادة التاريخية الشرعية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي قاد ثورة ضد نظام الانفصال في 8 آذار / مارس من العام 1963 و استلم الحكم في القطر السوري منذ ذلك التاريخ و اضطر عدد آخر من قياداته و على رأسهم مؤسس الحزب الاستاذ أحمد ميشيل عفلق إبن حي الميدان الشامي العريق لمغادرة البلاد إلى المنفى .
الاستاذ عفلق صاحب التاريخ النضالي المشرف في مقارعة الإمبريالية الغربية و الصهيونية حتى ما قبل تأسيس حزب البعث في السابع من نيسان / أبريل عام 1947 من خلال سلسلة من المحطات النضالية الهامة كتأسيس حركة نصرة العراق في العام 1941 دعما و إسناداً لحركة رشيد عالي الكيلاني في مواجهة الإنجليز ثم معارضته للمعاهدة البريطانية الأردنية عام 1946 عبر برقية أرسلها إلى عبد الرحمن عزام باشا أول امين عام لجامعة الدول العربية ناهيك عن انخراطه في صفوف جيش الإنقاذ و مشاركته في حرب فلسطين عام 1948 في مواجهة العصابات الصهيونية قاسى مرارة التشرد عن وطنه الأم سورية قبل أن يصدر عليه حكم بالاعدام غيابيا في مطلع العام 1971 .
الصحفي المرموق البريطاني الجنسية باتريك سيل وصف في كتابه ( أسد سورية — الصراع على الشرق الأوسط ) ما حدث قائلا : – ” هكذا و بعد ربع قرن من النضال و التوجيه إنتهى عمل أشهر مُنَظِّري الوطن العربي بالنفي و الطرد ” و بطبيعة الحال لم تكن ايادي الاستعمار الخبيثة السوداء بعيدة عن هذا المشهد الدرامي التراجيدي ، فقد وجه الاستاذ عفلق اصابع الاتهام إلى قوى اجنبية بالمسؤولية عما حدث و بادر إلى نزع الشرعية الحزبية عن السلطة الحاكمة في دمشق ، و لم تقتصر تداعيات الانقلاب الدموي على سورية بل امتدت إلى أقطار عربية أخرى .
في الاردن الجارة الجنوبية لسورية رفضت قيادة قطر الاردن لحزب البعث العربي الاشتراكي الاعتراف بشرعية السلطة الحاكمة في دمشق على إثر انقلاب ٢٣ شباط الدموي و لم تلبث أجهزة الامن الأردنية أن شنت حملة اعتقالات واسعة النطاق بين صفوف قيادات و كوادر هذا الحزب في ضفتي المملكة الهاشمية طالت قرابة ٦٠٠ شخص من أعضاء الحزب و المتعاطفين معه ، و لم يكن الأمر مستغربا فقد لعب الحزب دورا أساسيا محوريا في افشال مخطط انضمام الاردن الى حلف بغداد عام 1955 ، كما كانت له نواة قوية في صفوف الجيش العربي من خلال حركة الضباط الأحرار ، ناهيك عن مشاركته الفعالة و المؤثرة في إسقاط حكومة دولة سمير الرفاعي عبر المظاهرات الشعبية العارمة التي اجتاحت البلاد بطولها و عرضها في نيسان / أبريل من العام 1963 عندما حجب مجلس النواب الأردني الثقة للمرة الوحيدة عن حكومة أردنية في حادثة لم تتكرر اطلاقا في تاريخ الاردن الحديث منذ ذلك الحين .