إعادة هيكلة الديوان الملكي الأردني

إعادة #هيكلة #الديوان #الملكي #الأردني

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

#الديوان #الملكي منظمة كبيرة الحجم ومعقدة من حيث شبكاتها ومستوياتها وتراتيبها الإدارية الداخلية. عدد العاملين في الديوان الملكي عدد ضخم جدا وله مخصصات كبيرة ومرهقة للموازنة العامة للدولة ،وللقارئ أن يتخيل فقط الرواتب الشهرية الفلكية ،والامتيازات المادية ،والتأمينات والإكراميات التي يتقاضاها جيش جرار من الموظفين العاملين في الديوان ،ناهيك عن حظوتهم وتأثيرهم على الدوائر الأخرى وعلى أصحاب القرار المتعلق بمصالحهم في مؤسسات الدولة المختلفة. الأهم من ذلك هي موازنة الديوان من غير فئة الرواتب وهي بالطبع الميزانية الأكبر والتي يصرف منها على المكارم الملكية ،وتبرعات الملك ومساعداته، ومكافآته للوجهاء وشيوخ العشائر وغيرهم .لا أحد يعرف تماما كم هي الموازنة الحقيقية غير المعلنة للديوان الملكي ،وهل هي تخصص بالكامل من موازنة الدولة الأردنية؟ . صحيح أن موازنة الديوان السنوية يتم مراجعتها من قبل اللجنة المالية في مجلس النواب ،ولكن هذه المراجعة ذات صبغة عامة وليست تفصيلية في بنودها ، وهدفها استهلاك إعلامي بحت.السؤال الذي يطرح نفسه هو هل موازنة الديوان تقتصر على ما تظهره الموازنة من أرقام ومبالغ محددة ؟ .

من يتتبع كلفة المكارم الملكية، ونفقات #الرواتب #العاملين في الديوان الملكي، و #مخصصات #وجهاء #العشائر، وتكاليف الدعوات الملكية في المحافظات مضافا إلى ذلك كلف زيارات الملك الخارجية ،وصيانة القصور الملكية المتعددة والإسطبلات الملكية ،ورواتب ومخصصات الملكة والأمراء والأميرات وحراسهم ومكاتبهم يجد بأن مجمل هذه التكاليف تفوق الموازنة المخصصة للديوان ا فكيف يتم تغطية ذلك!.

مقالات ذات صلة

السؤال الذي يحتاج كثير من المواطنين الأردنيين الإجابة عليه هو لماذا هذه النفقات الضخمة للديوان الملكي؟ الديوان الملكي كمؤسسة ليس له ذكر أو نص في الدستور الأردني ولا غرابة في ذلك ،إذ أنه لا مبرر لوجود هذه المؤسسة الضخمة ما دام أن الملك ذاته مصونة ولا يخضع لأي مسؤولية سياسية وقانونية ،ومن يخضع لهذه المسؤولية بدلا منه هي الحكومة صاحبة الولاية العامة المنصوص عليها في الدستور والتي يتبعها أكثر من مائة وخمسون جهازا مركزيا ومؤسسة عامة تعج ردهاتها ومكاتبها بعشرات الألاف من الموظفين الذين من المفترض اختيارهم حسب أسس الكفاءة والموائمة بين متطلبات الوظيفة وخصائص ومؤهلات المتقدم لشغلها. لماذا إذن هذا العدد من الموظفين العاملين في الديوان الملكي والذي يتجاوز مجمل عدد العاملين في وزارات العمل، وتكنولوجيا المعلومات، والتخطيط والتعاون الدولي، والصناعة والتجارة، والتنمية السياسية، والبيئة مجتمعة؟ ولماذا هذه المخصصات الهائلة إذا كان الديوان غير مسئول عن إدارة وتصريف شؤون الدولة ! القضية هنا لا تتعلق بالعدد الضخم للعاملين في الديوان الملكي فحسب بل تتصل بعدم معرفتنا بكيفية انتقاء هؤلاء الموظفين وأسس اختيارهم ،وفيما إذا كانت هذه الوظائف متاحة للتنافس بين الأردنيين، وهل يتم الإعلان عنها؟

الديوان الملكي هو وحدة إدارية ذات مهام خدماتية لوجستية بالدرجة الأولي وليس من طبيعة عملة النهوض بمهام سياسية مثل الدول ذات النظام الرئاسي كالولايات المتحدة ،حيث أن رئيس الدولة هو رئيس الوزراء مما يقتضي وجود مؤسسة تحيط به لتساعده في تصريف شؤون الدولة آخذين بالحسبان ارتباط عدد كبير من الدوائر التنفيذية بالبيت الأبيض، مما يعني حاجة مؤسسة الرئاسة لكادر يعمل في هذه المؤسسة .وينبغي التذكير هنا أنه حتى في البيت الأبيض الذي يشرف على إدارة دولة مؤلفة من خمسين ولاية أصغرها بحجم الأردن ،فإن عدد العاملين لا يتجاوز (1930) موظفا. من ناحية أخرى لا يستطيع كثير من المواطنين تفهم سبب وجود فروع لبعض الدوائر الحكومية في الديوان الملكي تماما مثلما لا نستطيع فهم أسباب وجود دائرة اقتصادية في الديوان.

مرة أخرى الديوان الملكي مؤسسة خدماتية لوجستية بامتياز وليس مؤسسة سياسية ويناط بهذه المؤسسة أعمال بروتوكولية واحتفالية وعلاقات عامة وزيارات واستقبالات ويمكن لمائة موظف القيام بهذه المهام . وهنا نتساءل من يعين العاملين في الديوان ومن يراقبهم ومن يحاسبهم ما دام أن المال العام يستخدم لتمويل هذا الديوان؟
نحن نعلم بأن موظفين الأجهزة الحكومية يتم متابعتهم من قبل ديوان الخدمة المدنية من حيث تعيينهم وترقياتهم ودرجاتهم وحقوقهم وواجباتهم ، فمن يا ترى يتابع موظفي الديوان الملكي ؟ ولماذا لا يتم تطبيق قانون الخدمة المدنية عليهم؟ ومن يحاسبهم إذا لم يقوموا بالوجبات المناطة بهم ؟ الديوان الملكي أصبح مكان تجمع لفئات وشرائح المتنفذين في المجتمع الأردني ،فأبناء وبنات وأحفاد رؤساء الحكومات السابقين والوزراء والنواب والأعيان وحواشي الأمراء والأميرات يجدون الديوان الملكي ملاذا مناسبا لشعوره بالنخبوية والعلو على بقية فئات المجتمع ، وعلى الأردنيين الغلابا أن يدفعوا من جيوبهم لتغطية رواتب هؤلاء الفتية والفتيات الذين وصلوا الى مواقعهم ليس بفضل كفاءاتهم ولكن بفضل حظوة آبائهم وعائلاتهم.
المال العام في كافة دول العالم الديمقراطي الحر لا يتم إنفاقه إلا بموجب قوانين تحدد كيفية إنفاقه ،وكيفية المراقبة عليه ،ومحاسبة من يهدر هذا المال أو يصرفه بغير الوجوه المحددة له ،فهل يعرف أحدا في الأردن عن كيفية صرف موازنة الديوان الملكي؟ وهل يعرف أحد كيف يتم تعيين الموظفين في الديوان الملكي وعلى أي أسس؟ وماذا لو تم الاعتداء على المال العام في الديوان فمن يقوم بمحاكمة هؤلاء؟

الديوان الملكي ليس وزارة مع أنه أكبر حجما من خمس وزارات ، وليس حكومة مع أنه أكثر تأثيرا من كل الحكومات ،وليس رمزا دستوريا أو سياديا مع أنه أصبح أكبر رمزية من الحكومة ورئيسها ووزارتها وأجهزتها المختلفة. الديوان الملكي أصبح عبئا ثقيلا على الدولة ورافدا كبيرا لعجز الموازنة ومصدرا لتضخم المديونية كما أنه أصبح مكلفا من الناحية السياسية نظرا لكونه قد أصبح موئلا وملاذا للمتنفذين من رؤساء الوزراء السابقين والوزراء وكبار رجال الدولة وأبنائهم وبناتهم وأحفادهم وشيوخ العشائر وعلية القوم مما يؤدي إلى استثارة سخط وغضب الفئات والشرائح الاجتماعية المستضعفة والمحرومة ضد النظام السياسي برمته ويؤدي بالتالي إلى تأزيم العلاقة بين القيادة والمواطنين . لقد آن الأوان لتقليص حجم الديوان (Downsizing)،وإعادة هيكلته الإدارية ،وإخضاعه للرقابة العامة، وتطبيق التشريعات المتصلة بالأجهزة الرقابية على التعيينات فيه فهل من مدكر…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى