أسعار الفائدة والبنوك المركزية

#أسعار #الفائدة و #البنوك المركزية
د.مروان الزعبي
تعتبر أسعار الفائدة قصيرة الأجل أداة البنوك المركزية الأولى والاهم وتستخدم لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وللبنوك المركزية اهداف متعددة لكنها تتفق على هدف واحد فقط وهو تحقيق #استقرار #الأسعار أو ما يُسمى بالاستقرار السعري Price Stability، لكن بعض البنوك المركزية تُضيف أهدافا أخرى مثل #النمو #الاقتصادي وتخفيض #البطالة واستقرار الأسواق المالية. ولا يمكن لأي بنك مركزي تحقيق كل هذه الاهداف مجتمعة ولذلك تختار بعض هذه البنوك التركيز على هدف واحد والسعي لتحقيق الاهداف الاخرى. في الولايات المتحدة التي تستهدف مجموعة من الاهداف، يركز البنك المركزي في الوقت الحاضر على مكافحة التضخم الذي وصل الى 9% وهو مستوى مرتفع جدًا مقارنة بمستواه التاريخي، ولذلك بدأ برفع سعر الفائدة قصير الاجل “الفيدرال فند ريت”. ان التركيز على أسعار الفائدة قصيرة الاجل يعود الى ان هكذا أسعار تعتبر مرجعية لان ادوات البنوك المركزية في التعامل مع البنوك التجارية عادة ما تكون قصيرة الاجل مثل ان يقرض البنك المركزي للبنوك لمدة يوم او اسبوع او ان يقبل منها ودائع لمدة يوم. ان أي تغيير في هذه الاسعار سيمتد أثره الى كافة اسعار الفائدة الاخرى سواء كانت اسعار البنوك أو أسعار السندات وغيرها. لذلك يكون التأثير شامل وقوي وفعال. لكن الهدف الرئيسي من ذلك الرفع هو تخفيض معدل التضخم حيث ان الاقتراض من البنوك وغير البنوك سينخفض، ولذلك ينخفض الانفاق بشقيه الاستثماري والاستهلاكي.
كل هذه الاجراءات تعتبر معروفة ومفروغ منها ومعيارية، لكن المشكلة تكمن في أن رفع أسعار الفائدة له تبعات اقتصادية كبيرة وطبعا تعرفها البنوك المركزية، فعلى سبيل المثال، هذا الاجراء له اثر سلبي على الاسواق المالية حيث ستنخفض اسعار السندات والاسهم وله اثر سلبي على اسعار العقارات وله اثر برفع قيمة العملة وما ينتج عن ذلك من زيادة المستوردات وانخفاض الصادرات. ومن ناحية القروض، فسوف ترتفع اسعارالفائدة عليها كلها (الا اذا كانت بعقود ثابتة الفائدة)، فأي اقتراض جديد سيكون بكلفة أعلى وأي اقتراض قديم سترتفع كلفته لأن معظم القروض تكون بأسعار الفائدة المعومة والتي يمكن تعديلها. وعلى الرغم من اهمية اسعار الفائدة، الا انها يجب ان تبقى منخفضة ومستقرة حتى لا تصبح المحرك الرئيسي للاقتصاد بالاضافة الى ان المستويات المنخفضة تدفع الاموال الى الاستثمار بعيدا عن الادخار وتمكن البنوك وبقية المؤسسات المالية من ان تأخذ دور اكبر وفاعل في جانب الاقراض والمساهمة في النمو الاقتصادي. لكن البنوك المركزية تركز اليوم على هذه الاداة اكثر بكثير من بقية الادوات.
من ناحية أخرى، هناك العديد من الدول التي تربط عملاتها مع الدولار بسعر صرف ثابت ومنها الاردن، وهذا يعني أن على بنوكها المركزية أن تتابع بشكل حثيث اجراءات البنك المركزي الامريكي النقدية. في قانون البنك المركزي الاردني، فان الهدف الرئيسي هو الاستقرار النقدي وهذا يتضمن استقرار سعر صرف الدينار الاردني، وفي نص القانون، فان المساهمة في النمو الاقتصادي يعتبر هدفا ثانيا، أي أن القانون وضع هدف الاستقرار النقدي أولا وهدف النمو الاقتصادي ثانيا ونستدل على ذلك من عبارة “المساهمة في النمو الاقتصادي” ذلك لان هذا الهدف ينبغي على كل مؤسسات الدولة ان تساهم في تحقيقه. وعندما تنخفض أسعار الفائدة، يمكن للهدفين أن يتحققا لان الاقتراض يزيد دون الاخلال بهامش سعر الفائدة بين الدينار والدولار لكن عندما ترتفع اسعار الفائدة يصعب تحقيق الهدفين لذلك يصبح التركيز على سعر الصرف واستقرار معدل التضخم، ولذلك هذه الاجراءات تأتي وفق قانون البنك المركزي الاردني. ولابد من الاشارة انه وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي لكن هذا لا يعني أن يقوم البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة لديه خلال فترات ارتفاع اسعار الفائدة الامريكية لانه لا يملك أن يضحي بهدف الاستقرار النقدي، لما لذلك من تبعات لا يستطيع تحملها الاقتصاد والمجتمع الاردني وكذلك فان عدم استقرار الدينار الاردني سيكون له اثرًا سلبيًا على النمو الاقتصادي فمن المعروف ان الدول التي تعاني من عدم استقرار سعر الصرف تعتبر دولًا طاردة للاستثمار والشواهد كثيرة، فهناك العديد من الدول التي عانت ودولًا أخرى لا زالت تعاني.
وفي الخلاصة، لا يمكن للبنك المركزي أن يسير بعكس التيار ولذلك فان رفع أسعار الفائدة هو اجراء في الاتجاه الصحيح رغم كل التحفظات خاصة وان استقرار سعر الصرف يعتبر متطلب من متطلبات النمو الاقتصادي. من ناحية أخرى، فان مسؤولية تحقيق الاهداف الاقتصادية الرئيسية تقع على عاتق كافة مؤسسات الدولة لانها اهداف وطنية ولا يمكن ولا يجب أن نتوقع من البنك المركزي أن يضحي بهدف استقرار سعر الصرف، فالكثير منا يعلم ما حصل في عام 1989 في ازمة الدينار الاردني ولا يمكن أن يسمح البنك المركزي بتكرار ما حصل.

د. مروان الزعبي
خبير مالي واقتصادي
جامعة الزيتونة الاردنية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى