أسباب بطلان حكم المحكمة السويسرية تغريم مصر مليارين دولار
عبد الفتاح طوقان
قضت محكمة سويسرية منذ أيام بتغريم مصر 2 مليار دولار ، ممثلة في هيئة البترول المصرية و شركة “ايجاس” ، و ذلك في قضية تصدير الغاز المصدر لإسرائيل معتمده علي نقاط ثلاث وهي أولا مخالفة قانونية من شركة “ايجاس ” المصرية التي امتنعت عن سداد ثلاث أقساط من بيع الغاز الي الهيئة المصرية للغاز مما دفع بالهيئة الي قطع الغاز عن “ايجاس” وثانيا توقف ضخ الغاز بسبب تكرار تفجير خطوط الغاز المصرية مما نتج عنه انقطاع الكهرباء في إسرائيل و السبب الثالث هو قرار نهائي صدر من جانب الهيئة المصرية للغاز بقطع الغاز عن شركة “ايجاس” بسبب ما سبق.
و كانت إسرائيل قد رفعت اربع قضايا ضد مصر بسبب قيام وزارة البترول بفسخ العقد مع إسرائيل باعتباره عقدا تجاريا و أن إسرائيل تأخرت في دفع المستحقات .
و حيث ان هناك معاهدة سلام مصرية إسرائيلية ، فلا بد من اطلاع المحكمة السويسرية عليها و النظر الي بنودها و التي تشير في المادة الثالثة الفقرة 3 منها “يتفق الطرفان علي أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل و العلاقات الدبلوماسية و الاقتصادية و الثقافية و انهاء المقاطعة الاقتصادية و الحواجز ذات الطابع المتميز المفروضة علي حرية انتقال الافراد و السلع “. و في المادة الرابعة البند الأول الذي يشير الي :” بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين و ذلك علي أساس التبادل ، تقام ترتيبات امنية متفق عليه بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية او الإسرائيلية و قوات أمم متحدة و مراقبين من الأمم المتحدة ، و هذه الترتيبات موضحة تفصيلا من حيث الطبيعي و التوقيت في الملحق الأول، و كذلك اية ترتيبات أمن اخري قد يوقع عليها الطرفان “.
مما سبق فأن امن خطوط الغاز التي تمر في مصر و إسرائيل هي مسؤولية مشتركة و ليس فقط مسؤولية مصرية حسب المعاهدة و بالتالي لا تتحمل مصر الحماية بمفردها و لا الناتج عن الإرهاب . و لا يحق لإسرائيل الامتناع عن حماية خطوط الغاز خصوصا و ان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة بتاريخ 26 مارس 1979 نصت صراحة في المادة السادسة البند الثاني :” يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل او امتناع عن فعل من جانب طرف آخر و بشكل مستقل عن أية وثيقة خارج هذه المعاهدة ” . و هنا نشير الي ان حفظ الامن احد بنود الاتفاق.
ثالثا ان تفجير خطوط الغاز يقع ضمن الاعمال الإرهابية و الخارجة عن السيطرة و تعتبر “قوة قاهرة ” حسب العقود الدولية و التي تعفي المقاول او مقدم الخدمة من الالتزام او تعويض الطرف الاخر ، و سبق ان صدرت احكام في الهند تعتبر العمل الإرهابي “قوة قاهرة” .
إن شرط القوة القاهرة ( في العقود الفرنسية يشار لها “للقوة المتفوقة”) ، و هو حكم العقد الذي يسمح للطرف بتعليق أو إنهاء أداء التزاماته عندما تنشأ ظروف معينة خارجة عن إرادته، مما يجعل الأداء غير مستصوب أو غير عملي من الناحية التجارية أو غير قانوني أو مستحيل. ويجوز أن ينص الحكم على تعليق العقد مؤقتا أو إنهاءه إذا استمرت حالة القوة القاهرة لفترة محددة من الزمن.
و حيث ان نسف و تفجير خطوط الغاز استمر لفترات طويلة و لأكثر من عشرين مرة تفجير فقرار فسخ العقد من جهة مصر هو قرار يستند الي العقود الدولية ، و لا يحق لإسرائيل ان تطالب بالتعويض ، ناهيك عن تضامنيتها حسب معاهدة السلام المصرية في الحفاظ علي الامن ضمن المسؤولية المشتركة.
وقائمة الأحداث التي يتعين إدراجها هي مسألة تفاوض بين الطرفين. وقد تتضمن قائمة نموذجية بأحداث القوة القاهرة نشوب الحرب وأعمال الشغب والإرهاب والحرائق والفيضانات والإعصار والأعاصير والزلازل والبرق والانفجارات والإضرابات وعمليات الإبطاء والنقص المطول في إمدادات الطاقة وأعمال الدولة أو الإجراءات الحكومية التي تحظر أو تعرقل أي الطرف من أداء التزاماته بموجب العقد.
وفي حالة مصر فقد كانت الحالة شغب و انفجارات و إرهاب و نقص في امداد “ايجاس ” بالغاز من الهيئة العامة للبترول بسبب تلك الحوادث المتكررة.
رابعا : حيث ان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قد اشارات الي انشاء لجنة مطالبات للتسوية المالية لكافة المطالبات المالية ، و استخدمت ” كافة” دون تحديد ، و تطرقت الي “المبادلات الاقتصادية ” ، فالأولي ان يتم النظر في مطالبات إسرائيل ضمن المعاهدة لا ضمن القضاء حيث ان ذلك اخلال بالمعاهدة و شروطها ، ان كان لها مطالبة حقيه تستند الي شرعية قانونية ، كما وان علي إسرائيل أن تطالب بها من خلال “لجنة المطالبات ” حسب البند الثامن .
خامسا : باعتبار ان العقود تخضع لاتفاقات دولية ، فان أي عقد خدمات او مقاولات يكون به شرط جزائي أقصاه سحب كفالة حسن الأداء و بحد اقصي عشرة بالمائة من قيمة عقد المقاول . اما من حيث التفصيلات الفرعية فيجوز الطعن أيضا في الأسعار التي قدمتها إسرائيل للتعويض .
و خلال السنوات الماضية لوحظ ان القانون الألماني و البريطاني الذي يبدو مرادفا من ناحية المفاهيم لتفسير القانون العام للقوة القاهرة، مع فهم كل من الكوارث الطبيعية والأحداث الإلهية و اعتبار الإضرابات والاضطرابات المدنية والحرب و الاعمال الإرهابية ضمن مفهوم تفسير ” القوة القاهرة”. و هذا ينطبق علي الحالة المصرية و التفجيرات التي حدثت ، و القانون يسمح بإلغاء الاتفاق في مثل تلك الحالات
اضف الي ذلك أن إن الهجمات الإرهابية الأخيرة في مومباي بالهند لم تثر قضايا الأمن القومي والقضايا الجيوسياسية فحسب، بل أدت أيضا إلى إبراز مسألة القوة القاهرة الحاسمة، ولا سيما في عقود التمويل الخاصة بعمليات الاندماج والشراء و / أو التمويل الإضافي ، و اعتبرت ان الإرهاب هو من “القوة القاهرة” التي تعفي المقاول او مقدم الخدمة من مسؤولياته و تسمح له بفسخ العقد و إعفائه من الالتزامات التعاقدية.
لكل ما سبق ، قرار المحكمة السويسرية يشوبه الخطاء و غياب المعلومات و التغاضي عن احكام مسبقة صدرت تتعلق باعتبار الإرهاب من القوة القاهرة ، مما يجعل فتح باب الطعن في الحكم و التمييز لإعادة النظر في الحكم الصادر ضد مصر، حيث ان المحكمة السويسرية لم تراع كافة الخلفيات و الظروف المتعلقة بالقضية ، و تغاضت عن الاطلاع علي المعاهدة المصرية الإسرائيلية و عن العقود الدولية و شروط التعويضات و عن تفسير القوة القاهرة و احكام سابقة ، واقصد ابطال الحكم و فسخه ونقضه وذلك بغية تلافي ما قد يكون في الحكم من أخطاء قد تلحق ضرراً بمصر ولتصحيح و تلافي الأخطاء التي وقع فيها القضاء السويسري عند اصدار الحكم ولفسح المجال امام مصر للاقتناع في الحكم لاحقا ، و هو ابسط الحقوق الدولية .
.
aftoukan@hotmail.com
مهندس استشاري / ماجستير قانون دولي و تعاقدات من جامعة ليفربول البريطانية