أ.د محمد حسن الزعبي يكتب .. ظاهرة الغش في جامعاتنا بين التغاضي والتراضي

#سواليف

#ظاهرة_الغش في جامعاتنا بين التغاضي والتراضي

أ.د. #محمد_حسن_الزعبي

من المؤسف أن نعترف أن #الغش في جامعاتنا الأردنية قد أصبح #ظاهرة_متفشية حيث ينخرط عدد كبير من الطلبة بالإخلال بالأمانة الأكاديمية متذرعين بالضغط الاجتماعي أو أعباء العمل أو عدم الفهم الكافي للنزاهة الأكاديمية. حتى أن فئة من الطلبة الذين تتوسم فيهم الخير والاستقامة قد تلجأ إلى هذه الممارسات الخاطئة بحجة تحصيل تقدير أعلى أو أن غيره ممن يمارسون الغش قد يتفوقون عليه رغم بذله جهدا” أكبر منهم. لم تعد هذه الظاهرة مجرد ممارسات فردية وإنما أصبحت حركات تقنية تمارسها مجموعات منظمة من الفاسدين لتجني منها مبالغ طائلة ليس في مواسم الامتحانات فقط وإنما على مدار السنة الدراسية.
وعند الحديث عن طرق ووسائل الغش الحالية فلم نعد نتكلم عن إدخال قصاصات من الورق أو سماع همس بين الطلبة في قاعات الامتحانات وانما أصبح من خلال الذكاء الاصطناعي الذي تديره شبكات من “الخبراء” أو الأصح “الخبثاء” والذين يتواصلون عن بعد مع الطلبة في قاعات الامتحان. يقوم الطلبة في قاعات الامتحان بتصوير الأسئلة من خلال كاميرات دقيقة وعالية الوضوح ثبتت في ملابسهم بدل الأزرار أو في النظارات أو أي مكان يسمح بالتصوير الدقيق بينما يتم استلام أجوبة من خلال سماعات تم تركيبها من قبل أطباء “فاسدين” في داخل أذان الطلبة.
أما عند الحديث عن الغش في الواجبات اليومية والتقارير والمشاريع والتصاميم الهندسية ورسائل الماجستير وحتى رسائل الدكتوراه فحدث ولا حرج حيث تتراوح ظاهرة الغش بين شراء هذه الخدمات الخبيثة إلى تجهيز جيش من المحترفين بتغشيش الطلبة يعملون من خلف الستار بكل مهارة واتقان. من الملفت أن هذه الظاهرة تتفاقم يوما” بعد يوم مع تزايد الاعتماد على الامتحانات المحوسبة وتتطور وسائل وأدوات الغش مع تعدد طرق الامتحانات وتنوعها. فبالرغم من تطور تكنولوجيا المعلومات التي حسنت من أدوات امتحانات الطلبة وفتحت لهم مجالات تعلم واسعة إلا أنه لم يدرك القائمون على هذه الوسائل مدى خطورة التطور الذي يشهده عالم الغش الحديث وما أنتجه من تكنولوجيا لتسهيل هذه العملية الخبيثة. لقد استطاعت طرق الغش الحديثة استحداث منافذ امنية في أنظمة المعلومات الالكترونية مما سبب لها كثيرا من المشاكل المتعلقة بظاهرة الغش الحديثة.
من السهل محاربة ظاهرة الغش إذا عرفت الدوافع التي تقف خلف هذه العملية، ففي دراسة أجريت حديثا على مجموعة من الطلبة الذين كانوا يمارسون عملية الغش تبين أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تقف خلف هذه الظاهرة وهي العوامل الفردية وسياسات الجامعة وضغط الأقران. العوامل الفردية أهمها وتتكون من دوافع نفسية وأسباب اجتماعية بما فيه قلة الوقت وانعدام الكفاءة والرغبة في تحصيل درجات وعلامات أكثر. أما فيما يتعلق بسياسة الجامعة فيعود إلى نقص التعليمات والقوانين المتعلقة بمحاربة الغش والتي يركن اليها الطلبة الذين لديهم ميول لممارسة الغش في الامتحان ويصدق عليهم المثل القائل من أمن العقاب أساء الأدب. أما الدافع الأخير وهو التنافس بين القرناء والعائلات وأبناء الجيران والزملاء وهو قليل التأثير نسبيا” بين طلبة الجامعات.
وللتقليل من الأثر السلبي لهذه الظاهرة التي أصبحت خطيرة جدا مع تدخل المال الذي يتواجد بأيدي الطلبة الوافدين والمحليين والقادرين على دفع مبالغ طائلة مقابل هذه الخدمة الخبيثة لا بد أن يمر العلاج بمرحلتين: مؤسسية وتقنية. أما خلال المرحلة المؤسسية فيجب بذل المزيد من الجهد لتعزيز سياسات الأمان لوثائق الامتحانات وعدم اختراقها أو العبث بها وإدارتها بشكل لا خلل فيه، كما انه لا بد أن يكون هناك وسائل للتعامل مع ظاهرة الغش في الجامعة وأن تكون العقوبات رادعة لمن يمارس هذه الظاهرة وذلك مثل الحرمان لعدد من الفصول أو حتى الفصل النهائي. كما أن على الجامعة إصدار تعليمات واضحة للطلبة مع بداية التحاقهم بالجامعة وأن تلزمهم بالتوقيع على تعهدات بعدم ممارسة الغش والموافقة على العقوبات المنصوص عليها في الجامعة. أما العلاج التقني فيكون بتوفير وسائل حديثة تمنع الطلبة من التواصل مع جهات متواطئة معهم خارج قاعات الامتحان مثل أجهزة التشويش ذات الأبعاد المحدودة المصممة لتغطي قاعات الامتحان ولفترة محدودة فقط كما أن على الجامعة توفير أجهزة تقوم بالكشف عن أي تواصل مع الطلبة خلال فترة الامتحان.
وفي الختام فإن التغاضي عن هذه الظاهرة بحجة عدم إحراج الطلبة الوافدين والمقيمين وعدم تضييع فرص استثمار ودخل للبلد ستكون نتيجته عكسية تماما” فلقد باتت الدول المبتعثة للطلبة تبحث عن الجامعات القوية التي تحرص على جودة التعليم وتنتج جيلا” مسلحا” بالعلم قادرا” على بناء بلده ورفعة امته. أما ما تقوم به بعض جامعاتنا من ممارسات كإعادة الامتحان للطلبة الخريجين والراسبين بسبب أدائهم السيء خلال الفصل تحت مسمى ريست (Resit ) فهو ضربة قاصمة لجودة التعليم. أما على مستوى الإضرار بالوطن بسبب التهاون مع هؤلاء الطلبة فستظهر نتائجه السلبية في القريب العاجل وما نسمعه من سقوط لمباني صممها وأشرف عليها مهندس مدني فاشل وإلى حرائق في منشآت تسبب بها مهندس كهرباء لا يميز بين الموصل والعازل وطبيب لا يميز بين ألم القدم والكاحل فهي أمثلة حية لما طرحناه من مشكلة الغش هنا. لذا، ومع بداية عام جديد أدعو القائمين على الجامعات أن يتقوا الله في الأجيال القادمة وأدعو زملائي الذين يحبون بلدهم وتهمهم أمتهم إلى مزيد من الحرص والتشديد ومحاربة الغش والضرب عليه بيد من حديد. والله من وراء القصد.
جامعة اليرموك
mes.mhz@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى