
السيناريوهات المتوقعة للتعامل مع اضراب المعلمين
المحامي الدكتور حازم سليمان توبات
باعتقادي إن الحكومة لم تتوقع أن تصل الامور الى هذا الحد من التأزم, فأقصى ما كانت تتوقعه أن يقوم المعلمون بالإضراب ليوم أو يومين ثم تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي. ولا أُخطّئ الحكومة على توقعها هذا لأنها بنته على تجارب سابقة مع الشعب الأردني, حيث أثبت هذه التجارب إن نَفَس الشعب في الإضرابات والإحتجاجات قصير, فكل الإحتجاجات السابقة لم تدم في أحسن أحواله لأكثر من أسبوع, ثم بعد ذلك يبدأ بعض أفراد الشعب ونوابه باستجداء الحكومة لكي تُخلي سبيل من إعتقلتهم أثناء فترة الإحتجاج . أما هذه المرة فقد تفاجأت الحكومة بأن الوضع مختلف تماماً, فهي تواجه إضراباً متماسكاً يقوده نقابة واعية صلبة تتعامل مع الحكومة بحكمة وحنكة, ويساندها هيئة عامة متكاتفه منسجمة مع نفسها ومتمسكه بمطالبها. ومما يدعم موقف المعلمين هو مسانده الغالبية العظمى من أولياء الأمور لمطلبهم وعدم إرسال أبناءهم وبناتهم إلى المدارس. وقد انطلق هذا الدعم الشعبي من إن مطالب المعلمين مشروعة ومحقة, ويعززه عدم الثقة الشعبية بأي تصريح يصدر من الحكومة, فإدّعاء الحكومة بوجود عجز في الموازنه وبالأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها الدولة يتناقض مع ما تعيشه الحكومة من بذخ مالي غير مبرر ورواتب خيالية لوظائف يحتكرها حصراً فئة محددة من أفراد الشعب ممن يربطهم بأصحاب القرار رابطة قرابة أو مصالح مشتركة.
إن السؤال الذي يتم طرحه الأن, في ظل هذا الوضع القائم, ما هي السيناريوهات المتوقعه لفك هذا الإضراب , باعتقادي أن هناك اربعة سيناريوهات للخروج من هذه الأزمة:
السيناريو الاول: هو أن تتنازل النقابة عن مطالبها بعلاوة ال50% وتقبل ما قدمته الحكومه من مبادرات. وهذا السيناريو مستبعد لأن النقابة وصلت إلى نقطة اللاعودة, وخاصة في ظل التكاتف والإنسجام التام بين مجلس النقابة والهيئة العامة من المعلمين, ولإيمانها بشرعية مطالبها.
السناريو الثاني: أن تلجأ الحكومه إلى القضاء من أجل إصدار قرار بحل النقابة والزام المعلمين قضائياً بالعودة إلى مدارسهم. هذا السيناريوا لا يوفر حل عاجل وسريع للمشكلة, فاللجوء إلى القضاء واصدار حكم قضائي قطعي يحتاج إلى وقت قد يطول, فهناك اجراءات قضائية أمام محاكم الدرجة الأولى من لوائح ومرافعات , وإن ما يصدر عن محاكم الدرجة الاولى من أحكام قابل للطعن أمام محاكم الدرجة الثانية, مما يعني إن الوقت سيطول. ثم إن الجزم مسبقاً بأن القضاء سيتخذ قرار بحل النقابة هو إتهام صريح بعدم استقلال القضاء وتسيسه, لأن القضاء المستقل والنزيه يحكم وفقاً للبيّنات المقدمة من أطراف الدعوى وإسقاط حكم القانون على الواقعه إستناداً إلى هذه البينات, وبالتالي لا يمكن الجزم بأن القضاء سيتخذ قراراً بحل النقابة والزام المعلمين بالعودة إلى العملية التعليمية.
السناريو الثالث: أٍن تلجأ الحكومه إلى أساليب قمعية ودكتاتورية في التعامل مع الاضراب من خلال الترهيب والوعيد وإحالة ممن تنطبق عليه الشروط من أصحاب القرار في النقابة إلى التقاعد لاجراجهم من المشهد النقابي, واللجوء إلى الفصل من الوظيفة لمجموعات محددة من المعلمين مع التهديد بفصل مجموعات أخرى إن لم تستجب للقرار الحكومي بفك الاضراب. وتهدف الحكومة من ذلك( إن تبنت هذا السيناريو) إلى عمل شرخ بين صفوف المعلمين وإخافة ضعاف القلوب من المعلمين والمعلمات (إن وجد) لكي يعودوا إلى صفوفهم المدرسية. بإعتقادي إن اللجوء الى هذا السيناريو فيه مقامرة غبية قد تؤدي بالدولة الأردنية إلى المجهول, فقد تتطور الأمور من خلال دخول فئات أخرى من الشعب في صف المواجهه ضد الحكومة وخصوصا في ظل الإحتقان الشعبي الرافض لسياسات الحكومة ونهجها الفاسد في إدارة الدولة, وقد تتسع دائرة المطالب الشعبية إلى ضرورة إحداث تغيير شامل في جميع مؤسسات الدولة وفي نهج إدارة هذه المؤسسات. وهنا أمام الحكومة إما الإستجابة القسرية لهذه المطالب أو مجابتها بمزيد من القمع وبالتالي الإنزلاق إلى الهاوية.
السيناريو الرابع : أن تستجيب الحكومة لمطالب المعلمين بناءً على توجيهات ملكية, والموافقة على صرف العلاوة المطلوبة بشكل تدريجي وعلى دفعات سنوية. وهذا السيناريو هو الأقرب للمنطق والحكمة, وفيه محافظة على هيبة الدولة, لأن هيبة الدولة من هيبة معلميها لا هيبة حكوماتها التي أوصلت الاردن الى ما نحن فيه.
إن تبني أي من السيناريوهات الثلاثة الاخيرة يعتمد على مدى إدراك أصحاب القرار لخطورة الموقف وطريقة نظرتهم إلى الشعب فيما إذا كان شعباً حراً أبياً لا يقبل الإستكانه أو الذل أم قطيع من الأغنام يقتلة الخوف بمجرد رؤية العصا.