كلنا يعرف قصة سيدنا عمر بن الخطاب والقبطي وابن عمرو بن العاص وصلعة أبيه, ولن أعيدها عليكم. وكلنا نسردها اعجابا بعمر رضي الله عنه. ولكن من منا يسردها إعجابا بذلك القبطي الذي رفض الاهانة حتى لو كانت من ابن أمير مصر وفاتحها. حتى لو كان القاضي ناءٍ والدرب قفر والرمل جمر. حتى لو كان بينه وبين حقه بيد دونها بيد. حتى لو تعرض للمهالك من جوع وعطش وقاطعي طريق. حتى لو عظمت النفقة. حتى لو ان الامر مجرد صفعة على صلعة. أو كف على كتف أو يد على خد. إنها الكرامة الإنسانية التي تشمخ بهذا القبطي. تصوروا معي ذلك القبطي يعود إلى بيته واضعا كفه على مكان الصفعة أو على مكان جرح الكرامة. ربما وضع كفه على مكان الجرح كي يخفيه عن الناس, وربما ليبقى يدمى حتى لا يجف قبل ان ينال حقه, وربما كي يفكر بعمق. ان هذه الصفعة يمكن ان تبتلع فلماذا تجعل من الحبة قبة. ربما هذا الذي قاله شيطانه. يا رجل أنت قبطي وهو عربي , أنت مهزوم وهو منتصر, أنت من العامة وهو ابن سيد القوم و فاتح مصر. وحتى ولو وصلت وشكوت واستدعى عمر عمرا, فمن سيضمن لك العدالة؟ ولو سلمنا بعدالة عمر فكيف لك بدهاء عمرو وبلاغته وحسن تخلصة؟ وها أنت تترك أما عجوزا وامرأة وأطفال. أيها الغبي المغرور اجلس ولن يعيب عليك احد فكلنا مهزومون. وما لجرح بميت إيلام. ربما صبر القبطي على شيطانه حتى أنهى كل ما يمكن ان يقوله, ثم قام فبصق بوجهه وقال له. أيها اللعين كل ما قلته صحيح ولكني لا اثأر لنفسي فقط , أنا اثأر لكل مستضعف. أريد ان يسمع بأمري كل الناس وعلى مدى العصور ويقولون فعلها القبطي لأقل مما نحن فيه فلما لا نفعلها لكل الهوان الذي نعيشه. أيها الملعون. اعرف إني لو تركت الأمر لوبختني على تركه بعد فوات الأوان. اغرب عن وجهي. ربما جاءته أمه وقالت (ياميمتي برضاي عليك تنسى وانت شايفني مصابح مماسية.) وربما قبل يدها وقال يا أماه ليس خدي هو الذي يؤلمني انه جرح الكرامة الإنسانية. ربما نظرت إليه زوجته وتعلق به أطفاله فداعبهم وذرف دمعة ومضى . كم أمسى المساء عليه وكم أصبح الصباح وهو يطوي البيد طي, كم أوقد نارا في الليل وكم ذئبا عوى من حوله.كم أفعى انسل بين يديه وكم عقرب شال بزبانته . ولكن الباعث عنيد والدافع عتيد. ولابد من المدينة وان طال السفر.
لقد عز عمر فهل لنا من قبطي؟؟