آل عمّان وصناعة التوريث / تاج الدين عبد الحق

آل عمّان وصناعة التوريث
قليلة هي الكتب التي سجلت التاريخ السياسي للمملكة الأردنية الهاشمية، فقد كانت سيرتها السياسية جزءا من سيرة الإقليم وتاريخه، وحتى الذين لعبوا أدوارا في التجربة الأردنية، ظلوا مترددين في تسجيل أدوارهم.
وباستثناء مذكرات عاهل الأردن الراحل الملك حسين، فإن التاريخ الأردني لم يكتبه أبناؤه، وظل معظمه متناثرا في ثنايا كتابات ومذكرات من خارج الأردن أو في تسجيلات تلفزيونية وثائقية مختلفة.
بهذا الاحساس تلقف الشارع الأردني كتاب “آل عمّان”، للكاتب الصحفي الأردني المخضرم أحمد سلامة، الذي عاش متنقلا بين بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة اليومية، والبلاط الملكي الأردني موظفا ومستشارا قبل أن ينتقل إلى وظيفة مماثلة في البلاط الملكي البحريني.
وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، كما يقال، فإنني اعترف أن ما شدني للكتاب هو العنوان الذي بدا لي أنه يعكس نوعا من حميمية الطرح في توصيف تجربة سياسية توصيفا انسانيا، ويعطيها بعدا عائليا يتجاوز الشللية التي كانت سمة بارزة في معارك النخبة السياسية الاردنية للاستحواذ على النفوذ او توزيع المكاسب وتوريث المناصب.
تعبير آل عمان كان عنوانا ذكيا بالمقياسين المهني والسياسي، فهو فريد، فيما أعلم، ولم يسبق أن استخدم في توصيف النخبة السياسية التي تعاقبت على إدارة الشأن العام كرؤساء حكومات ووزراء، ورؤساء للديوان الملكي الذي يبدأ عنده وينتهي إليه القرار السياسي، أو رؤساء أجهزة سيادية أمنية أو أعضاء في المجالس النيابية ومجالس الأعيان.
أما من الناحية السياسية، فإن هذا العنوان يؤكد الحقيقة، التي يعرفها الجميع، وهي أن تداول السلطة التنفيذية منذ تأسيس الدولة الأردنية، محكوم بطقوس وقواعد حولتها إلى مايشبه عائلة حاكمة تتوارث المناصب والمواقع، فيعين، بعد سنوات قليلة من الإعداد، من كان أبوه رئيسا للوزراء، في موقع أبيه، ويعين رئيسا للديوان، من شغل جده أو أبوه هذا المنصب.
ولو أردنا ضرب أمثلة على ذلك منذ تأسيس الدولة الأردنية وحتى الآن فإن القائمة ستطول.
وهذا الأمر ينطبق بدرجة وأخرى على التشكيلات الوزارية التي شهدت هي الأخرى، خلال السنوات التي سبقت المرحلة الحالية، تداولا موضعيا في المناصب ظل محصورا في أسماء محددة تتنقل من مكان لمكان في داخل التشكيلة الحكومية، دون أن تتأثر حتى بالانتقادات العلنية التي سرت بين الأوساط الشعبية والنخب المثقفة التي ساءها أن تظل الحكومات الأردنية المتعاقبة نسخا كربونية لا تملك برامج حقيقية، ولا تصورات محددة تخرج الوطن الصغير من أزماته الكبيرة.
وحتى لاتذهب الظنون بعيدا بأحد، فإن كتاب “آل عمان” لا يقول ذلك، حتى لو كان العنوان موحيا به.
الكتاب هو سجل ذكريات لا تعني إلا أصحابها، وفيها ما سمعه المؤلف منهم وعنهم، بأسلوب غلب عليه طابع المجاملة، التي تخلع على البعض صفات وأوصاف فيها شيء من التقديس غير المفهوم، مع حرص واضح ألا يجرح أحدا، وألا يحمل أيا منهم وزر موقف قد يسأل عنه أو يعاتب عليه.
الكتاب، الذي قاربت صفحاته 500 صفحة من القطع الكبير والمطبوع طباعة فاخرة، أعطى مساحة كبيرة لرموز الأجهزة الأمنية الأردنية، التي كان من بين رؤسائها، رؤساء حكومات ووزراء، فضلا عن أنها كانت ولا زالت تلعب دورا معروفا في الحياة السياسية الأردنية، خاصة في الفترة التي تلت حرب حزيران/ يونيو 67، ورافقت أحداث أيلول/ سبتمبر سنة 70.
وبدا المؤلف، خلال استعراض هذا الدور، حريصا على استدراك كل معلومة يتضمنها الكتاب في هذا الجانب بعبارات تأخذ طابع الإعتذار عن أي فهم خاطيء أو تفسير مغلوط.
من حيث الصياغة، استخدم المؤلف لغة تراثية في مفاصل كثيرة من أبوابه وفقراته، واستوحى من مقولات مأثورة صورا أدبية أسقطها على الواقع لخلق التأثير أو الهروب من التفسير.
ولم ينج الكتاب من أخطاء طباعية، كما لم يخل الكتاب من بعض الالتباس عند استخدام بعض المفردات العامية لينحت منها جمله عربية دون تنصيص يبرر هذا الاستخدام.
ومع أن أحدا لا يستطيع أن ينكر على المؤلف سعة إطلاعه على التراث العربي، ومتابعته للمدارس وللاتجاهات الفكرية المعاصرة، إلا أن هذا الإطلاع أخذ طابعا استعراضيا في كثير من الأحيان من خلال حشد أسماء وعناوين لموضوعات دون أن تكون هناك حاجة حقيقية للاستشهاد بها أو توظيفها، خاصة وأن مثل ذلك التوظيف لم يكن متناسبا مع المقام، لا من حيث الموضوع، ولا من حيث الشكل.
آل عمان كتاب جدير بالاقتناء من النخب السياسية والفكرية التي جايلت الكاتب وعاشت الفترة التي عمل فيها صحفيا في جريدة الرأي الأردنية أو مستشارا مقربا من الأمير الحسن، ولي العهد، آنذاك، ففي ذاكرته الكثير من أحاديث المجالس التي نقلها دون أن نحس أنه نقل شيئا يثير حفيظة من يرون أن المجالس أمانات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى