
فقد الأحبة
يبدو انني اعيش هذه الايام مرحلة فقد الاحبة ممن عرفت عن كثب من قادة وكبار ضباط الجيش العربي ، وكان اخرهم اللواء الركن “علي الدبوبي”رحمه الله .
فرغم فارق الرتبة العسكرية الا ان ابا طلال تغمده الله بواسع رحمته كان اول من عرفت ضابطا لي ومرجعا ببداية خدمتي العسكرية علاوة على صداقته الحميمة بوالدي بكتيبة الدبابات 17 الملكية ، كتيبة الرجال الابطال الذين عرفتهم الحمر والقصور الملكية منذ بداية تأسيسها ويكفيهافخرا ان سيدنا ابوحسين كان قائد سرية بها عام 1987 .
انا لست كاتبا متخصصا ووكالات الانباء تحمل اعصار الاخبار المتوالي كل دقيقة فليس من مهمتي ان اعطي مواعظي الصحفية للقارئ الكريم كل برهة عن الانتخابات الامريكية ومعارك الموصل والرقة رغم اهميتها ولا يكلف الله نفسا الا وسعها .
اما المجال الذي ابدع فيه ويوافق هوى خفيا بنفسي هو الكتابة عن الجيش العربي الحبيب الذي تشرفت بالخدمة المخلصة فيه ذات زمن مضى وشاهدت عن كثب رجالا من لهب قادة ابطالا من حديد هم بشر ولكنهم ليسوا كالبشر انهم رجال من طينة الصحابة ولكن الاعلام ظلمهم واعني بالصحابة الكرام جهاد الصحابة فنحن بنور سيرتهم نستضئ .
كان الزمان عام 1985 شهر ايار وحتى سنتين بعده وكان المكان قيادة الفرقة الالية الرابعه الملكية ، وكان حينها المقدم الركن علي سالم الدبوبي ركن اول استطلاع الفرقة ، وكنت انا العبد الفقير لله برتبة كاتب طابع عنده من ضمن مرتب الاستطلاع بالفرقة .
الفرقة التي احببت وخدمت وعشت بها اجمل ساعات العمر ، كان قائد الفرقة اللواء الركن نجيب قاسم المومني ابو اياد رفيق دراستي بكلية الشهيد فيصل الثاني اطال الله عمرهما .
كنت اغرار وعمري 19 عاما واتردد على الصلاة بالمسجد المحاذي لاسكان عالية وكنا نصلي فيه جماعة مع المدنيين اذكر منهم الكابتن محمد عميرة ابو انس والمهندس ليث شبيلات واخرون رعاهم الله جميعا .
كانت المسافة من المكتب للمسجد قرابة نصف كيلومتر ارافق فيها – ولا هي الساعه – معلمي ابو طلال ، فيبتسم حتى تظهر نواجذه ،وحينما اسأله عن ذلك يخبرني انه تذكر الايام الخوالي بكتيبة الدبابات 17 .
حينما كان قائدا لسرية والدي بنهاية السبعينات الذي كان وكيل قوة عنده ، تلك الكتيبة المتمردة بكل شئ الا الاخلاص للعرش الهاشمي المفدى ولمعاني الرجولة الحقة وكيف انني اواظب على الصلاة منذ صغري عكسهم ببداية عسكريتهم فقد كانوا نتاج حروب 1967 وما تلاها من حروب الاردن الهاشمي وكان جيل عاش الحرب بكل الامها عكس جيلي الذي ترعرع على حالة تدعى اللاحرب واللاسلم .
كانت البداية بعملي الجديد بالجيش على يد هذا المعلم الحاني وكان يطلب مني توفير راتبي بالبنك ويأمرني بصلاة الجماعه عليه رحمة الله وكان سبب مباشر لذاك الامر جعله الله بميزان حسناته وهو بدار الحق ونحن بدار الباطل .
حينما كان يغادر للمشاركة بالمناورات والتمارين العسكرية بحمرا حمد اشاركه رحلته ونبقى نعمل بظروف صعبه ليل نهار بتأشير الخرائط وادامتها وعمل الطاولة الرملية وكانت تشبه روعة الحياة الجامعيه لمن عاشها فانا لم ادخلها ولكني دخلت جامعة الجيش العربي ودرست فيها كل مقررات الاخلاص والتفاني للعرش الهاشمي المفدى فليعذرني القارئ الكريم فهذه هي ثقافتي التي نهلت من ربيعها لا من ثقافة الربيع العربي وما تلاه من ارهاب وكباب .
كانت كتيبة الدبابات 17 محرقة للقادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، (وهذاك من هذاك) من يستطيع ان يثبت فيها كقائد كتيبة غادر ابو طلال منصبه بعد عامين من خدمتي معه اواقل بقليل على ما اذكر وانتدبه الباشا نجيب المومني قائد لكتيبة الدبابات 17 كتيبة الرجال الابطال الاشداء رغم تلك العادة المقبولة بعرف الجيش وعظيمه الحسين الاب الرحوم الذي صنع ذاك الجيل من حماة الديار على عينه .
انا اعرف باني قد اتكلم بكلام غير مفهوم نوعا ما ، لكثير من القراء ولكنه تقرير حال لعظمة الحسين والجيش العربي فنحن بربيع عربي حقيقي دائم جنودا كنا او مدنيين ، ولو كانت هناك كتيبة كتلك باي دولة عربية لكانت ابيرت من الوجود .
تلك الكتيبة التي ما ان ترتضي قائدها حتى تحقق اعلى النتائج بالمناورات والتمارين العسكرية والرمايات حيث نجح بها ابو طلال عليه رحمة الله ابهر نجاح ، وكانت هدية الحسين لهم بان يكون فيها بعدها بفترة وجيزة كقائد سرية (مولاي سمو النقيب الامير عبدالله بن الحسين) – انذاك – لتشهد انصع وازهى فترات تاريخها الحافل والمجيد ولا زالت واعتز بها حد العشق لانها كتيبة رحمة والدي وكم اتمنى زيارتها ذات يوم .
غادر ابو طلال الكتيبة وعين بمناصب رفيعة عدة منها مديرا لشؤون الافراد وقائدا لقوات البادية الملكية حينما الحقت بجهاز الامن العام الى ان احيل على التقاعد .
كان اخر العهد به قبل شهر ونصف من الان اثناء مشاركته بجنازة عمي النائب الاسبق احمد عودة العجارمة صديق عمره وكان ابو طلال متأثرا غاية التأثر ولم اكن ادري بحديث قصير معه على هامش المناسبة اني اودع حبيب اخر من جيل لم ولن يتكرر .
انا لله وانا اليه راجعون مع خالص العزاء لرفاق درب الفقيد والجيش العربي وعشائر الدبايبة الكرام والبلقاوية عامة فالخطب جلل ومناسبة شخصية مؤلمة جعلتني اذرف وابكي احر الدمع والبقاء لله .