مفكرون بالمايوه البكيني / يوسف غيشان

مفكرون بالمايوه البكيني
ميلان كونديرا… كاتب تشيكي منشق (سابقا) طرح في كتابه ” الضحك والنسيان” فكرة مهمة سمّاها : (ليتوست) والكلمة على ذمته لا ترجمة لها في لغات العالم الأخرى ، وهي كلمة تشيكية عامية قد تعني الكلب الأجرب المنبوذ.
وتعبــــّر الليتوست- حسب كونديرا- عن حالة يمر بها الأفراد وتمر فيها الجماعات والشعوب والأمم ويشرحها بالقول بأن الليتوست حالة معذبة تولد من مشهد بؤسنا الخاص الذي نكتشفه فجأة ، وفي معرض تحليله لتاريخية الليتوست يقول كونديرا “…..في حين كان الفرس يغزون آسيا الصغرى راح الإسبارطيون يكدسون الأخطاء الحربية ، وقد أعمتهم دموع الغضب ، ولبثوا يرفضون كل عمل معقول ، حتى لم يعودوا قادرين على القتال جيدا ولا على الاستسلام ولا على طلب النجاة هربا ، وهكذا بتأثير الليتوست صاروا يقتلون عن اخرهم”.
ويستمر “أبو الكوند”في شرح فكرته من خلال نصه شبه الروائي : “… من يرفض المساومة ، ليس لديه أي خيار آخر سوى أسوأ الانكسارات التي يمكن تصورها ، لكن هذا بالضبط ما تعنيه الليتوست ، إذ إن الإنسان الممسوس بها ينتقم من خلال إفنائه لذاته ، ويصنع مثل طالب الموسيقى العاجز عن فهم ما يشرحه أستاذ الموسيقى، فيلقي بنفسه من الشباك، وهو يشعر بأنه انتقم من الأستاذ الذي سوف يعتبر مسؤولا عن موته .
اعتقد ان القارئ العزيز قد أدرك من مجرد شرح الحالة بأننا نعاني منها جميعا في الوطن العربي والشتات ، وان الليتوست صارت جزءا من مواصفات العروبة منذ تحولنا إلى ملطشة للأمم والشعوب وحتى الأفراد . وكان آخر انتصار تحقق هو معركة عين جالوت في القرن الهجري السابع.
وقّعنا معاهدات سلام غير متوازنة باسمنا جميعا ، فوضعوا المواطن العربي بين مسالمين وأغنياء انفتاح ،ما قالوا (لا) حتى في تشهدهم ، وبين معارضة تشبه طفلا يحمل زامورا داخل مستشفى لمرضى القلب . فتحولنا الى انتحاريين نريد أن نلحق الأذى بأنفسنا حتى يتحمل الآخرون المسؤولية. لسنا ضد الفداء فهو ارقى أنواع الوطنية لكننا نخشى أن يتحول الموت إلى هدف.
المفكرون والمصلحون والكتاب في الوطن العربي يشبهون لباس البحر (المايوه البكيني) الذي يكشف الكثير لكنه يخفي الأمور الجوهرية ، فلا نستطيع مواجهة الذات والوعي بمشكلتنا، وهكذا نعاني جميعا من الليتوست حتى نموت دون أن ندري بذلك.

الجانب غير المظلم في الموضوع إن تضحيات الإسبارطيين وصمودهم أمام الفرس أدت إلى تحالف جميع المدن الإغريقية ضد الفرس والحاق الهزيمة بهم وطردهم من أسيا الصغرى ، لا بل احتلوا بعض أراضيهم … وهذه معلومة تجاهلها كونديرا. لكن المشكلة – مشكلتنا – إن الفارق التكنولوجي بين الفرس والإسبارطيين كان محدودا نسبة إلى الفارق التقني بيننا وبين الأعداء ، لذلك فان علينا تقليص هذا الفارق قدر الإمكان وإلا انتهينا إلى الأبد. وهذه مهمة تبدو مستحيلة لكنها ممكنة.
أتمنى أن لا تصل حالتنا المرضية إلى حد الانتحار جميعا حتى نقهر ونضايق الذين يقمعوننا ويهينوننا ويمتصون ما تبقى من كرامتنا. أو على الأقل أن نفعل مثلما فعل شعب ضيعة فيروز في مسرحية( ناطورة المفاتيح) الذين خرجوا من الضيعة فوجد الحاكم نفسه بلا شعب ، فمن أين يجبي الضرائب ومن سوف يسجن ويقتل ؟؟؟؟ لكن بعد مفاوضات قامت بها ناطورة المفاتيح فيروز يعود الشعب مقابل الحرية والديمقراطية .
هذا يحصل في الروايات والمسرحيات، فهل يحصل على ارض الواقع؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وتلولحي يا دالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى