التباعد الجسدي علميا وليس التباعد الاجتماعي كتعبير متداول

التباعد الجسدي علميا وليس التباعد الاجتماعي كتعبير متداول.
ا.د حسين محادين

(1)
إعلاميا وشعبيا ، لم أجد هذه الايام العصيبة، مصطلحاً باللغة العربية يتقافز بسرعة مذهلة على ألسِنة ومسامع العرب ومن يتحدثون العربية ايضا، أكثر من تعبير”التباعد الاجتماعي” في زمن الكورنا هذا رغم عدم دقته علميا بالتأكيد؛ كما سأوضح في هذا المقال المكثف.
(2)
بحثت عن جذور هذا التعبير الغِر فوجدته باجتهادي حديث الولادة، لأنني لم أجد أصله بدقة بحدود اطلاعي, لذا لست متأكدا من صاغه ،ومن نثره بالتالي وجوهنا ؛قراءً ومشاهدين خائفين من الكورونا ومصاحباتها الغامضة للآن، لذا لا اجزم ان كان هذا التعبير بالاصل أجنبيا،أم انه مجرد وليد لعملية قيصرية لغوية وتعبيرية وافدة على لغتنا العربية وتعبيراتها الغنية بتوالدها في ظروف التحدي المستمرة في حياتنا كعرب .
افهم ان الهدف من هذا التعبير هو الوصف والتاكيد علينا كبشر معا، بضرورة الابتعاد بين فردين جسديا في الاقل، مسافة كافية تجنبا للاصابتهما بالعدوى المحتملة من هذا الفايروس المُعدي، وهذا الموقف يُعد تفاعلا اجتماعيا مستمرا بين الافراد كما يمكن دراسته من منظور علم الاجتماع وأدواته البحثية، رغم انه مبرر هذه المباعدة بين جسديهما هو الخشية ممكن عدوى فايروس الكورونا الذي يصنف بدوره من اللامرئيات حسيا واقعيا وهنا الخطورة الاهم.
(3 )
التباعد جسدي هو الادق تعبيرا لحقيقة ما هو مطلوب منا، وليس التباعد إجتماعي كما هو شاع في تأثيراتها الإعلامية والشعبية معا.
علميا وواقعيا،لا يمكن أن يكون هناك أي “تباعد اجتماعي” مادام التفاعل قائماً بين شخصين أو بين إعداد غير محدودة من الناس، في نفس المكان والزمان عبر دوام تواصلهم المباشر او حتى عن بُعد بواسطة أداة ما من أدوات التفاعل الاجتماعي المختلفة ، فما بالك مثلا بكل هذه الأعداد الهائلة من الأفراد والجموع المختلفة الثقافات واللغات والمعتقدات وهي في تفاعل اجتماعي /ثقافي وطبي مستمر ومتعدد العناوين ،والوسائل، والاهداف بالضد من تحديات فايروس الكورونا كهم وخوف بشري ووجداني مشترك..كما نعيش هذه الأيام.. ؟.
( 4)
لقد اختزلت وسائل التواصل الاجتماعي حواسنا كأدوات للتفاعل الاجتماعي بيننا كبشر من خلال خدماتها الكثيرة،رغم تباعد أجساد المتفاعلين اجتماعيا عبرها، سواء عبر الصور البصرية التي تبثها كمشاهدة حية مثل مباريات كرة قدم الدولية لأي من الفرق الأكثر شهرة في العالم،أو من خلال التعليم الحالي عن بُعد الذي تمارسه يوميا، أو عبر المراسلات البينة للأفراد أو المجموعات..الخ وكلها أشكال التفاعل الاجتماعي المتقاعد جسديا بين اطرافه.
(5)
اخيرا ؛ان ما يجري بين اي شخصين مصطفين مثلا على باب دكانة أو خضرجي او حتى بنك؛ ويتحاوران في موضوع مشترك بينهما، ووجود مسافة ما بين جسديهما، بضع سنتمتيرات أو أمتار أو حتى قارات لا يمكن أن يسمى علميا بالتباعد الاجتماعي، وإنما هو تباعد جسدي فقط لا اكثر، لأن الاجتماع هي سُنة البشرية ومن أبرز سماتها منذ الأزل ؛ ولا يمكن أن تتحقق هذه الاجتماعية بوجود شخص بمفرده وهذا تخصص علم النفس غالبا، وإنما المطلوب لتحقيقها اي الاجتماعية هو شخصان في الاقل يتفاعلان ما بموضوع أو بطريقة ما تحقق انسانيتهما الفطرية الآمنة عملا بالقوات الشهيرة “الجنة بلا ناس ما بتداس”.
*عميد كلية العلوم -جامعة مؤتة.
عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى