“الخداع انواع !!” / د. محمد شواقفة

“الخداع انواع !!”

قد تفرح كثيرا عندما تلتقي جمعا طيبا و تجد ان هناك الكثير من القواسم المشتركة و تظن لوهلة ان هذا سربك و لا بد انك وجدت ضالتك …. و لكنك قد تصدف احيانا بعضا ممن يتقمصون دورا لا يليق بهم و لا يناسبهم و يحاولون بشتى الطرق و الوسائل اقناع الجميع بانهم اصحاب فكر و رسالة و ربما قيادة و ريادة و هم في حقيقة الامر ليسوا سوى ثلة من الانتهازيين و الوصوليين الذين يجدون بك حجرا من احجار رقعة الشطرنج فيحاولون تحريكها …. فاذا كسبت كنت لهم بطلا و مثلا و قدوة ..و اذا خسرت او تعثرت ظهر لك وجه آخر لا تعرفه و لم تعتد عليه ….
تحضرني فعلا قصة الغراب الكسول الذي كان بطبعه يميل للخداع و إن لم يكن مضطرا ….. فقد حاول مرة ان يدفن نفسه بالرماد ليخفي ملامحه و لونه الاسود فيبدو كحمامة …. فعوضا عن البحث عن طعام … يتحين الفرص لينقض على احد صغار الحمام و يختطفه لقمة سائغة دون جهد و عناء …. ولم تطل اللحظات الخداعات حتى لبعض الحمام الذي أدرك انه ليس الا غراب متنكر …. فاضطر ان يهرب للبعيد ….
لم يتملك الغراب المخادع اليأس …. و امضى بعض الوقت يتدرب على مشية الحمام حتى اتقنها …. لدرجة ان تخفيه كان متقنا اقنعت الحمام انه لربما حمامة قبيحة لا غير …. و لكنه لم يزل حتى وجد قطعة من جيفة فانطلق نحوها و خطفها ..فانكشف مرة اخرى رغم اتقانه المشية ….. ادرك حينها ان الشكل و المشية لا تغني عن الطباع و طريقة الحياة و خصوصا الاكل ….. و فعلا راح يمشي بطريقة الحمام و لا يأكل إلا مما يأكله الحمام …. و يبدو أنه تقريبا بات قائدا لسرب الحمام ….. و لم تستمر تلك الحال طويلا عندما صادفه صديقا قديما و ناداه فلم يكن منه الا ان رد عليه بصوت و لغة الغراب …. فانكشف امره مرة اخرى ….
اليك ايها المخادع …. اياك ان تظن ان خداعك يمر دون انتباه …. فتخفيك بالرماد لم يغير من حقيقتك …. و تبنيك لاسلوب حياة الحمام مشيا و اكلا لم يستطع اخفاء صوتك النشاز ….
لا تعتقد انك اذا نظرت لعنقود العنب و لم تستطع الوصول اليه يجعله حصرما في نظرك … و لو حاولت فعلا ان تصفه كذلك …. و لا تظنن ان التقليل من شأن ما يفعله الآخرين قد يفيدك او يرتقي بك …. لربما انك بحاجة لتنظر لداخلك و تبحث عن شئ جميل. … و اعرف انك قد تخدع ذاتك و لكنك لا بد ان تجالسها في لحظة ما و تصارحها كم انت تافه و كاذب ….
ايها المخادع …. هل يفيدك ان ترى انكسار الآخرين ….؟! و هل يمتعك ان تراهم يفشلون كي تشعر بالرضا و القناعة ؟ ….. لا تحاول ان تركب موجهم اذا كنت لا تجيد السباحة لانك لا تعرف متى هذا الموج سيضيق بك ذرعا و يلفظك و انت في وسط المحيط ….
ايها المخادع …. كل ما اكتسبته يداك نتيجة الرياء و المداهنة و الكذب ….. هو كذبة كبرى لا بد ان تستفيق منها….و ستجد انك لا قيمة لك و اول الراحلين عنك من يتعب نفسه بالتصفيق لك و حولك ….. و كونك اعتدت الفتات و بقايا الموائد فلا بد انك ستظل جائعا و لن تعرف طعم التميز …..
و مع ذلك ستلاحقك كلماتي و حروفي حجارة من سجيل الى ان ترتدع او تجد مرآة غير مزيفة لترى قباحتك ….

” دبوس على المخادعين ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى