مشياً على الأحلام ..

مقال الخميس 9-2-2017
النص الأصلي
مشياً على الأحلام ..
أول مرة اقتنيت سيارة باسمي كانت في عام 2006 ، أقنعني صديق لي صاحب معرض سيارات أن السيارة التي رآها مع تاجر صباح ذلك اليوم كانت “لُقطة” حسب رأيه وعليّ أن احضر بأسرع وقت من الرمثا إلى المنطقة الحرة في الزرقاء.
استقليت باص الرمثا الزرقاء الوحيد ووصلت إلى المكان بعيد الظهر بقليل..كان الغطاء الأمامي للسيارة “كاحت” من الشمس ويشبه النمش على شاشة التلفزيون عند فقدان البث ،فهوّن علي الأمر وقال صاحبي (بعشرين ليرة دهان بترجع وكالة ) ، لكن “طبونها” الخلفي كان مقشوراً أيضا ،أشرت إليه..قال :(المهم الماتور حجي).. نظرت إلى الأضوية الأمامية كانت صفراء لا تسرّ الناظرين وكأنها أسنان مدخّن عتيق ، قرصني في كوعي وقال :بخمس ليرات بتعمل أحلى بولش..
للأمانة كان الفرش جديداً والمحرّك مغسولاً بعناية الا أن في سقف السيارة ثمة “طرطشة” قهوة لا ادري كيف وصلت..كان فيها مكان للأشرطة وجهاز “سي دي” لكنه للأسف كان يعضّ “السيديهات ” ؛ عضّ فيروز ووردة وأم كلثوم وحاول تفتكرني لعبد الحليم حافظ ،كما عضّ “المنشاوي” رحمه الله…
صحيح أنها عند كل لفة تكاد تنقلب على الجنب الأيمن لخفة وزنها ،وبيضات الستيرنج – عدم المؤاخذة- مش ولا بد فكلما تركت المقود و حاولت أن أمشط شعري بضربتين من الفرشاة “بلاقي حالي إمبنكت” الا أنها اقتصادية ومريحة، صحيح أنني كنت أشتري كيسيّ فوط صحية حجم وسط ؛ واحدة لآخر العنقود وواحدة لها لأنها “بتنقط زيت” الا أن تصليحها جداً قليل وقطع غيارها موجودة في أقرب بقالة ..
المهم في رحلة العودة من الزرقاء مررت بمحطة بترول وملأتها “فل” من فرحة الاقتناء …ومنذ ذلك التاريخ لم تفرح سيارة من السيارات التي اقتنيتها قط بهذه المكرمة العظيمة..حتى السيارة التي معي حالياً إذا ملأتها بــ”20″ ديناراً فوراً بــ”تصيبها حرقة” و”معدتها بتقلب”…
باختصار ، لم نفطم على السيارات ، ولم نعتد على الفراري ولا الجاكوار ولا الليكزس ولا المرسيدس الحديث، أمضينا ثلاثة أرباع أعمارنا نمشي على الأقدام ونحس الحصى من تحت النعال المهترئة المشققة ولا مانع لدي أن أمضي ما تبقى من العمر سيراً على الأقدام فالسيارات صنعت لتعزّنا وتريحنا لا لتذلنّا ويصبح وقودها سوطاً بيد الحكومات يتحكم بنا..
سأوقف سياراتي مساء اليوم الخميس ، وأعود كما كنت امشي على الأقدام وعلى الأحلام التي لم تتحقق يوماً…أنا مقاطعٌ للبنزين مع حملة المقاطعة ، مقاطع لأن المقاطعة سلوك راقٍ وتعبير حضاري عن الرفض والتذمر من الاستغلال ، مقاطع لأن المقاطعة سلاح الشعوب الحية ،وجنين ثقافتها، و كلما ارتفعت نبرة الاتهامية من قبل ألأصوات والأقلام التي تنام في حضن الحكومات وتتوسّد المنفعة والأعطيات..وكلما غلظ صوت المشككين بنوايا الشعب الواعي والمحب لوطنه…تمسّكت بالمقاطعة أكثر..وأحببتها أكثر وأعلنتها أكثر..أنا مقاطع لأنني إنسان ولي كرامة..وما عمري شفت حدا مات لأنه ما ركب سيارة…شكراً للمبادرة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى