
الخديعة الكبرى – 10
هذه هي المقالة العاشرة التي ننهي بها سلسلة مقالات تهدف الى الإجابة عن التساؤل الذي استهلك من أمتنا قرنا من الجدل وهو: هل يمكن إقامة نظام دولة إسلامية حديثه تعالج مختلف تحديات العصر الحالي ؟ .
خصائص النظام الإجتماعي
1 – يتميز النظام الإسلامي بأنه يستخدم علاجا مزدوجا لمنع انحراف المرء: الخوف من عقاب القانون والخوف من عقاب الله، بخلاف التشريعات البشرية التي لا تملك رادعا غير القانون، إن الطبيعة البشرية التي تغلب عليها الأنانية وكل ما يستتبعها من الرذائل، بإمكانها التحايل والتملص من سطوة السلطة بوسائل شتى، لكنها لن تتمكن من تبرير السوء لنفسها بأن الله لن يكتشفه.
يحكي عبدالله بن عمر أنه أراد أن يمتحن راعيا في البادية فسأله أن يبيعه خروفا، فقال إن الغنم ليست لي، فقال له : وما يُدري صاحبها، قل له إن الخروف مات أو أكله الذئب، فأجابه الراعي: والله إنني بأمس الحاجة للمال ولو قلت لصاحب الغنم ماذكرته لصدقّني، ولكن أين الله؟.
يعتقد غير المؤمنين بأن رادع الإيمان غير فعال، لكن هب أن هنالك (كاميرا) لمراقبة السير، فهل سيجرؤ سائق أن يخالف القانون أمامها؟ لا شك أن الجميع سينضبط خوفا من الغرامة، لكن لو وضعت الدولة الطرقات جميعها تحت مراقبة الأقمار الصناعية، صحيح أننا لا نراها لكننا نعلم أنها ترصد كل تحركاتنا بدقة .. ترى من يجرؤ على ارتكاب مخالفة ؟.
2 – هناك اختلاف جذري في البنية المجتمعية، ففي النظام الليبرالي يعتبر الفرد هو المكون الأساسي للمجتمع، لذلك يتم تقديس حريته الشخصية واحترام خياراته الأنانية منذ طفولته، فرغم أن عائلته هي التي تكفله لكن الدولة تتدخل لمنع فرض رؤية والديه عليه، وعندما يبلغ سن المراهقة لا سلطة للأهل في منع انحرافه، وبعد سن البلوغ ليس عليه أي التزام تجاه والديه، بمعنى أن المجتمع مكون من أفراد مستقلين تجمعهم المصالح وليس الروابط الأسرية. في المجتمع الإسلامي اللبنة الأساسية هي العائلة والترابط الإجتماعي يتم عموديا من خلال الأسر الممتدة المتكافلة وأفقيا من خلال المصاهرة والجوار. هذه الحالة تكفل الترابط فيصبح المجتمع الكبير وكأنه عائلة واحدة من حيث التلاحم والتعاون.
3 – من إيجابيات الترابط المجتمعي تحقيق التكافل وبالتالي وضع حلول ذاتية (من غير تدخل الدولة) لمشاكل الفقر والإنحلال الخلقي والجريمة، وذلك يشكل رادع ثالثا يضاف للرادعين السابقين وهو خضوع الأفراد للقيم الإجنماعية الإيجابية المتكونة بفضل هذا التقارب والتي تنبذ الأفراد الخارجين عليها.
4 – علاوة على ما سبق فإن الشريعة قد وضعت قواعد متينة لتعظيم قيم التلاحم الأسري وربطتها بالعبادات، وتبدأ منذ تكوين الأسرة ( الزواج ) وجعلته رباطا مقدسا وليست مجرد شراكة كما في الليبرالية، كما أوكلت رعاية الأبناء الى الوالدين كون العلاقة الغريزية هي الأضمن، ومسؤولية التربية على الأم وليس مؤسسات رعاية الطفل والإنفاق مسؤولية الأب وليس شراكة بين الوالدين ، وأوجبت على الأبناء رعاية الوالدين عند كبرهما وليست دور المسنين حفاظا على كرامتهما، كما أوجبت صلة الأرحام والإحسان الى الجار والفقير وحتى الأسير.
5 – تحترم الشريعة العلاقة بين الجنسين لأن الإنسان مُكرّمٌ وليس كالبهائم التي تمارس الجنس بحرية، فحددتها بالعلاقة الزوجية لأن الأسرة هي اللبنة الأساسية ، في الليبرالية لا تضع قيودا بل تعتبره إحدى المتع المشروعة، كما تجيز استخدامها استثماريا في الدعارة المنظمة والتسويق التجاري.
نستنتج في نهاية هذه السلسلة من المقالات أن المنهج الإسلامي في إدارة الدولة الحديثة أمر ممكن،بل هو البديل المقنع للرأسمالية، وأن كل النماذج المرعبة للدولة الإسلامية مثل طالبان وداعش، لا علاقة لها بالأصل فهي مصنوعة لتشويه صورتها ولتبعدنا عن حلم الأمة التليد في استعادة الدولة الإسلامية من جديد وبفهم حداثي معاصر.

