الحزبية في الإسلام (2/2) / د. هاشم غرايبه

الحزبية في الإسلام (2/2)

لا بد من توضيحٍ قبل أن نستكمل موضوعنا الذي تناقشنا فيه حول العمل الحزبي (السياسي) في الإسلام، وهو أن عبارة الحزب لغويا جاءت بمعنى الجماعة الملتقية على رأي موحد، رغم أن الإشارة الواردة في القرآن الكريم كانت الى المشركين الذين تحزبوا لقتال المسلمين، كما أشار في مرة ثانية الى تفرق الأمة أتباع ملة إبراهيم. لكن ذلك لا يعني إنكار التحزب إن كان لإعلاء كلمة الله ونصر الدين.
لقد تبين لنا أنه لا يوجد نص شرعي يحدد أسلوب اختيار الحاكم، بدليل التطبيق النبوي بترك الأمر لاتفاق الصحابة حتى لا يصبح توجيهه تشريعا ، لذلك فقد تم الإجتهاد بناء على ذلك بالإختيار من قبل لجنة الحكماء ( أهل العقد والحل ) والذي تم تفصيل أسس تشكيلها في سلسلة مقالات (الخديعة الكبرى)، والتي توصلنا فيها الى أفضليتها بالمقارنة مع أهم ثلاثة أساليب معاصرة وهي النيابية الملكية (النظام البريطاني) والجمهورية(الفرنسي) والرئاسية (الأمريكي).
إذاً نخلص الى أن اختيار الرئيس بناء على مواصفاته وكفاءته أنفع من الإنتخاب بدفعه من قبل حزب لأن النخبة الحكيمة أقدر على التقييم الموضوعي من العملية الإنتخابية التي ينجح فيها عادة أصحاب النفوذ المالي والإعلامي، وهؤلاء ليسوا بالضرورة هم الخيرة.
لكن الطبقة التالية هي الإدارة الفعلية للشؤون العامة وهي التنفيذية ( الوزراء ) وهؤلاء يفترض بهم أن يتبنوا برنامجا عمليا لحل المشكلات المعيشية الراهنة وليس سياسيا لأن المباديء الأساسية محكومة بالدستور الذي يتضمن صياغة معاصرة للأحكام الفقهية ( تفصيلات الشريعة)، ومنوط بالحاكم لضمان التزام الحكومات بالدستور.
لذا وبما أن اختيار هذه الإدارة (الوزراء) سيكون بناء على برنامجهم للمرحلة، فيتم ذلك عن طريق أحزاب مدنية تقدم مرشحيها للتقييم العام عن طريق الإنتخابات.
أما الجهة المراقبة لأداء هؤلاء والضامنة لحسن استخدام المال العام فهي مجلس الشورى ( السلطة الرقابية) وهي تشبه الى حد ما مجلس النواب واختياره بالإنتخاب.
ويبقى القضاء وهو سلطة منفصلة يتم تزكيتهم قبل أهل العقد والحل الى الحاكم الذي يعينهم ولا سلطة له عليهم إلا بالتعيين أو الإقالة، حيث أن مرجعيتهم الوحيدة هي الأحكام الشرعية.
قد يسارع البعض الى القول إن ما تطرحه جميل ويدغدغ مشاعر الحالمين بعودة أمجاد الأمة لا أكثر، لكنه لا يعدو كونه أحلام يقظة لا سبيل الى تحقيقها.
ذلك صحيح حاليا، فلا يعقل أن يبادر نظام عربي الى الأخذ بها إذ أن ذلك يتناقض مع شروط اعتماده من قبل القوة العظمى وأتباعها، فسوف يتم تنحيته على الفور، فقد نحي من لم يَعِد بعُشر معشارِ ذلك، بل أودع السجن بتهمة أنه إسلامي فقط وقبل أن يطالب بدولة إسلامية.
لكني أطرحه للرد على المشككين بقدرة الفكر الإسلامي على بلورة دولة بالمفهوم المعاصر.
الوصول الى ذلك ليس بالتمني ولا الإقناع بل بخطة عريضة آمل أن أعرضها ونتحاور فيها لاحقا بإذن الله.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى