
حفلات المكياج في عمّان
ماهر ابو طير
یقف رئیس الوزراء عند مجموعة شبابیة توزع التمور والماء قبیل الإفطار، ویتم تصویر الرئیس، ویتعرض الرئیس إلى نقد ھائل بعد القصة، برغم أنھا مجرد لفتة من مسؤول في شھر رمضان، تتقصد رسم صورة متواضعة للرئیس.
أمین عام یقف قبیل الإفطار ویقوم بإطلاق مدفع رمضان، ویتم تصویره أیضا، ویتعرض الأمین إلى نقد ھائل، برغم أنھ یرید أن یرسم صورة تقول إنھ یشارك أھل العاصمة طقسا قدیما جدیدا لھ ذكریاتھ، وتتقصد اللفتة تحسین شعبیة الأمین.
رئیس بلدیة الكرك، یعود إلى ذات الموقع الذي أغدق فیھ دلالھ سابقا على السیاح الإسرائیلیین ویقوم برفع الأذان، ولا تعرف ما ھي الغایة أیضا، ھل یرید طرد الجن من الموقع أم تطھیره، أو القول إن الإسلام غالب على كل شيء غیره، وتحسین سمعتھ أیضا بعد الھجمة التي تعرض إلیھا إثر فعلتھ مع الإسرائیلیین.
ھذه ثلاثة نماذج للفتات جرت مؤخرا، وكلھا تعرضت إلى نقد ھائل، إذ لم یعد یتأثر الناس كثیرا بصناعة الصورة ، وھي فن بحد ذاتھ، ونحن الیوم، امام شعب غیر عاطفي، لم یعد یصفق لأحد، ولم یعد یھلل لأي مسؤول مھما فعل، والواضح أن الرأي العام یعتبر أن كل ھذه مجرد حملات لتحسین السمعة ورفع الشعبیة، وتخفي خلفھا تقصیرا أھم في مجالات عمل كل مسؤول، وبحیث یتغطى المسؤول بھذه اللفتات بدلا من الإنجازات، أو تحسین ظروف الحیاة أو الخدمات.
قبل سنین طویلة كانت صناعة الصورة تجري عبر مستشارین في مؤسسات مختلفة، أو حتى عبر شركات العلاقات العامة التي تخطط للفتة وتأثیرھا وجمھورھا المستھدف، وكانت صناعة الصورة لأي مسؤول تترك أثرا عظیما، والسبب أن الوضع العام كان جیدا إلى حد ما، ولم یكن الناس یشكون من التراجعات التي نراھا الیوم، وبھذا المعنى كان الناس، یقبلون ھذه اللفتات، ویحسبونھا في رصید أي مسؤول، لأن المؤسسات تسیر بشكل جید، فلماذا لا یكون المسؤول قریبا من الناس، ولماذا ینتقدونھ أساسا، او ینتقصون الصورة الشعبیة أو الإنسانیة التي ظھر بھا؟!
الیوم، تقرأ الرأي العام، وتكتشف أن الناس، وكأنھا تلقت مطاعیم خاصة ضد كل ھذه اللفتات الشعبیة، والسبب بسیط، فالمواطن لا تھتز مشاعره، أمام صورة لمسؤول وھو یوزع مثلا طعام الإفطار، لأن المواطن ذاتھ یقول إن الأجدى ألا یكون ھناك أي محتاج یتم توزیع الطعام المجاني علیھ، والمواطن ذاتھ لم یعد یقبل من أي رئیس حكومة أن یبیع صورة وقوفھ عند حادث سیر لإنقاذ جرحى، إذ إن الصورة على أھمیتھا، تفتح بابا آخر، فلماذا یكون الطریق الصحراوي مثلا، حیث وقع الحادث، خربا ومدمرا، وأین مسؤولیة الحكومة في ترك الشارع غیر مصان؟ وھكذا باتت كل صورة وكل لفتة، قابلة للقراءة بالاتجاھین، ولم تعد صناعة الصورة مضمونة النتائج في ظل تشكیك الناس واعتبارھم أن ھذه كلھا مجرد حفلات علاقات عامة، تخفي المشاكل الأساسیة، أو تحاول التخفیف من حدة الاحتقان العام.
بھذا المعنى، ودون بث الإحباط في نفس أي مسؤول یرید التقرب من الناس، فإن ھذه الحالة، أي تصنیع الصورة، لن تترك أثرا، ما لم یتنبھ المسؤولون إلى الذھنیة الجدیدة للناس، وإلى نقدھم الحاد لغیاب كثیر من الأشیاء. ونعطیكم مثلا ھنا، فوزیر الصحة، في أي حكومة، قد یستجیب لمناشدة مواطن بالعلاج، والناس لن یصفقوا للوزیر، وسیقولون لماذا لم یحصل المواطن على حقھ في العلاج، أساسا، دون توسل ورجاء، وماذا عن الذین لا یجیدون فن الاستغاثات، فمن ینقذھم ویصل إلیھم؟!
بالنسبة لي شخصیا، أنا أؤید قرب المسؤول من الناس، شریطة ألا یكون مجرد صناعة غایتھا رفع الشعبیة أو تحسین السمعة، لكن الأھم ھنا، ان یعرف كل مسؤول ان القصة لیست قصة انتقاص للمسؤول مھما فعل، بل قصة النقد الشعبي الأعمق، لغیاب كثیر من الحقوق والخدمات، خصوصا أن صناعة اللفتات أو الصورة، تتم أیضا بطریقة غیر حرفیة حین لا یصل سحرھا إلى كل الجمھور، وتبقى المشكلة كامنة، وقائمة، ولا تغییر جذریا على نمط الحیاة.
نرید المزید من اللفتات والتواصل مع الناس، شریطة تعبیرھا عن تحول فعلي في السیاسات، ولیس تعبیرا عن حفلة مكیاج لاعتبارات مؤقتة. ھذه ھي كل القصة.