
#عاشوراء…فضائل وأحكام – #ماجد_دودين
قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ…}
وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}
الحمد لله الرحمن الرحيم المعطي الوهاب، والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
شهر الحرام مبارك ميمون *** والصوم فيه مضاعف مسنون
وثواب صائمه لوجه إلهه *** في الخلد عند مليكه مخزون
لقد يسر الله لعباده سبل الخير، وفتح لهم أبواب الرحمة، وأنعم عليهم بمواسم البر والخيرات واكتساب الأجر والمثوبة، ورتب الأجر الجزيل على العمل اليسير تكرّماً منه وفضلاً ومنَّة على عباده المؤمنين؛ ليستدركوا ما فاتهم ويكفروا عن سيئاتهم، ومن مواسم الخير والمغفرة “يوم عاشوراء”، وهذه نبذة موجزة في فضله وتاريخه وأحكامه، نسأل الله أن ينفع بها ويجعلها حجَّة لقارئها بفضله وكرمه.
ومن عظيم فضل الله أن جعل آخر شهر في العام شهر عبادة وطاعة، وأول شهر في العام شهر عبادة وطاعة ليفتتح المرء عامه بإقبال ويختتمه بإقبال، قال ابن رجب : ” من صام من ذي الحجة وصام من المحرم فقد ختم السنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة ، فإن من كان أول عمله طاعة وآخره طاعة فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العمَلَين “
فضل شهر الله المحرم
أ ـ قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُم..ْ } [التوبة/36].
إنَّ الله افتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرَّم
كان السلف يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم.
ب ـ وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الشهور للصوم بعد صيام رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل” (صحيح مسلم).
سُئِلَ [أي النبي صلى الله عليه وسلم]: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ. صحيح مسلم
الصَّلاةُ والصِّيامُ مِن أركانِ الإسْلامِ، وقدْ حدَّدَ اللهُ فَرائضَ الصَّلاةِ بخَمسِ صَلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، وحدَّدَ صِيامَ الفَرْضِ بصِيامِ شَهرِ رَمضانَ، ولكنْ مَن أرادَ التَّطوُّعَ بنافِلةٍ مِن جِنسِ هاتَينِ العِبادتَينِ، فقد حدَّدَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوقاتًا فاضلةً يؤجَرُ عليها العبدُ بأفضَلِ الأجْرِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئل عنِ الأوْقاتِ والحالاتِ الأفضلِ للتَّنفُّلِ والتَّطوُّعِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ، فسألَه سائلٌ: ما أفضَلُ الصَّلواتِ بعْدَ أداءِ الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ الَّتي لا بُدَّ مِن أدائِها؟ وهي أفضَلُ ما يتقرَّبُ بها العبدُ لله عزَّ وجلَّ قبلَ التَّفكيرِ في النَّوافلِ والزِّياداتِ والتَّطوُّعِ لِمَن أرادَ، فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوضِّحًا ومُبيِّنًا: «أفضَلُ الصَّلاةِ بعْدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ»؛ وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أبعَدُ عنِ الرِّياءِ، وأقرَبُ إلى الإخْلاصِ، وليتمَكَّنَ المصلِّي منَ الصَّلاةِ بتَفرُّغِه لها، وهُدوءِ بالِه منَ الأشْغالِ النَّهاريَّةِ، وهي أعوَنُ على تذكُّرِ القرآنِ والسَّلامةِ من نِسيانِ بعضِ الآياتِ، والمُرادُ بجَوفِ اللَّيلِ: الثُّلثُ الآخِرُ.
وسُئِلَ عن أفضَلِ الصَّومِ بعدَ الصَّومِ المَفروضِ في رَمضانَ، فأجابَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أفضَلَ الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ، هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ؛ وهو مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي نَهى اللهُ فيها عنِ القتالِ، وإضافةُ الشَّهرِ للهِ إضافةُ تَعظيمٍ، وهو أوَّلُ شَهرٍ في العامِ الهِجْريِّ، فهو سَببٌ لِيَفتتِحَه بفِعلِ الخَيرِ واستِقْبالِه بالعِبادةِ؛ وذلِكَ مِن أفضَلِ الأعْمالِ، كما يُستقبَلُ أوَّلُ النَّهارِ بالأذْكارِ، فيُرْجى بذلِكَ أنْ يكونَ مُكفِّرًا لباقي العامِ، كما في فَضيلةِ الذِّكْرِ في أوَّلِ النَّهارِ. ويَحتمِلُ أيضًا أنَّه لَمَّا كانَ القِتالُ مُحرَّمًا في المُحرَّمِ، وكانَ انتِهازُ وَقتِه للصَّومِ فُرصةً مِن أجْلِ أنَّ أَوقاتَ إباحةِ القِتالِ لا يَقتَضي أنْ يَكونَ المُؤمنُ فيها صائمًا؛ لأنَّ الصَّومَ يُضعِفُ أَهلَه.
قال ابن رجب في “لطائف المعارف”: “وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عزّ وجل: أنه إشارة إلى تحريمه إلى الله عز وجل، ليس لأحد تبديله، كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفر، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.
ج ـ وقد نقل ابن رجب في “لطائف المعارف” أن عثمان النهدي ذكر عن السلف أنهم “كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم” اهـ.
د ـ وقال ابن رجب: “وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم: شهر الله. وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم وسلامه ــ إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته” اهـ.
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/8/55):” قوله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم” تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
الثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما” اهـ.
عاشوراء وقصته في التاريخ:
أـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ. صحيح البخاري
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ أصحابَهُ بِصَومِ يومِ عاشوراءَ قَبْلَ أنْ يُفرَضَ صِيامُ رَمَضانَ لفَضْلِ ذلك اليومِ، فلمَّا فُرِضَ صِيامُ رَمضانَ تَرَكَ أمْرَهم بِصيامِه، ولكنَّه صارَ تَطوُّعًا لمَن أراد.
وفي هذا الحَديثِ يَروي عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هاجَرَ إلى المَدِينةِ مِن مكَّةَ، وفي العامِ التَّالي وَجَدَ يَهُودَ المدينةِ يَصُومُون يَومَ عاشُورَاءَ، وهو يومُ العاشرِ مِن شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، فسَأَلَهم عن سَببِ ذلك، فذَكَروا أنَّ هذا يَومٌ صالِحٌ وَقَعَ فيه خَيرٌ وصَلاحٌ، حيثُ نَجَّى اللهُ فيه بَنِي إسْرائِيلَ مِن عَدُوِّهِم فِرْعونَ بإغراقِه وجُنودِه في البحْرِ، فَصامَه نَبيُّ اللهِ مُوسَى عليه السَّلامُ، فلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، أخبَرَ أنَّه أحَقُّ بمُوسَى مِنهم، حيثُ إنَّهما أخَوانِ في النُّبوَّةِ، ولأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أطوَعُ وأتْبَعُ للحقِّ منهم، فهو أحَقُّ أنْ يَشكُرَ اللهَ تعالَى على نَجاةِ مُوسى عليه السَّلامُ، ولذلك صامَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَرَ المسلِمينَ بصِيَامِه؛ لأنَّنا -نَحنُ المسلِمينَ- أوْلَى بِحبِّ مُوسى عليه السَّلامُ ومُوافقَتِه مِنَ اليهودِ، حيثُ إنَّهم بَدَّلوا شَريعتَه وحَرَّفوها، ونحنُ أتْباعُ الإسلامِ الَّذي هو دِينُ كلِّ الأنبياءِ، وقدْ روَى ابنُ عبَّاسٍ أيضًا أنَّ السُّنَّةَ أنْ يَصومَ المُسلِمُ اليومَ التَّاسعَ معه؛ مُخالفةً لليهودِ، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ، وقدْ ثبَت في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ صِيامَه يُكفِّرُ ذُنوبَ السَّنَةَ التي قَبْلَه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ شُكرِ اللهِ تعالَى بالصَّومِ لمَن حَصَلَ له خَيرٌ مِن تَفريجِ كُرَبٍ، أو تَيسيرِ أمْرٍ.
ب ـ وفي رواية لمسلم: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه” وقوله: “فصامه موسى” زاد مسلم في روايته: “شكراً لله تعالى فنحن نصومه”، وفي رواية للبخاري: “ونحن نصومه تعظيماً له”. ورواه الإمام أحمد بزيادة: “وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً”. وقوله “وأمر بصيامه” في رواية للبخاري أيضاً: “فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا”.
ج ـ وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: “إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه”. قال القرطبي: “لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام”. وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: “كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً”. وفي رواية مسلم: “كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً”. وفي رواية له أيضاً: “كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم”، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فصوموه أنتم” (رواه البخاري).
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
فضل عاشوراء
وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، أذكر منها:
أـ عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يـوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنـة التي قبله” (رواه مسلم:1976). وهذا التَّكفيرُ يَشمَلُ صَغائرَ الذُّنوبِ دونَ كَبائرِها، وأمَّا الكَبائرُ فلَا يُكَفِّرُها إلَّا التَّوبةُ، أو رَحمةُ اللهِ، أو يُرْجَى تَخفِيفُ الكَبائرِ.
ب ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: “ما علمت (أنَّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر ــ يعني: رمــضان ـ” (أخرجه البخــاري”4/215 ــ216 ومسلم:1132).
يخلق الله ما يشاء ويختار
قال عز الدين بن عبدالسلام: “وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها” (قواعد الأحكام1/38).
متى هو يوم عاشوراء؟
أ ــ قال ابن قدامة في المغني (3/174):”عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم” (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
وصيام يوم تاسوعاء قبل يوم عاشوراء سُنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا صام يوم عاشوراء قيل له: إن اليهود والنصارى تعظمه، فقال: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، قَالَ ابن عباس: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. أخرجه مسلم في «صحيحه».
يجوز صوم يوم عاشوراء منفردًا، ولا حرج في ذلك شرعًا؛ لأنه لم يرد نهي عن صومه منفردًا، بل ورد ثبوت الثواب لمن صامه ولو منفردًا، فيما يستحب مع ذلك صوم يوم قبله أو يوم بعده خروجًا من الخلاف.
أيهما أفضل: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟
أـ قال ابن حجر في “فتح الباري” (4/315): “روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: “إن يوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين”.
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: “إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان أفضل” اهـ.
ب ــ وقال ابن القيم في “بدائع الفوائد” (م2/ج4/ص293): “فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم”.
هل كان عاشوراء قبل أن يفرض رمضان واجباً أم مستحباً؟
“اختلف العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجباً أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول (هذا يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين). ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وبلغه أنّ اليهود يتخذونه عيداً، قال: “لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع”؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً،) اهـ.[
الحكمة من استحباب صيام اليوم التاسع
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على حديث “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع”: “ما همَّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنْ لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر، إما احتياطاً له، وإمَّا مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح،”
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء؟
أ ــ عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: “فمن شاء صامه، ومن شاء تركه” (رواه البخاري/2002 ومسلم /112 واللفظ لمسلم).
ب ــ والنبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، وقالوا إنّ موسى صامه، وإنه اليوم الذي نجوا فيه من فرعون وغرق فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وقال: “نحن أحق بموسى منهم” (رواه مسلم).
قال ابن حجر: “وعلى كل فلم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه”
وقال النووي-رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: “قال القاضي عياض: وقد قال بعضهم: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب فصامه…ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبارهم، والله أعلم”.
مراتب صيام عاشوراء
أ ــ أن يصوم اليوم العاشر ويكون قد صام عاشوراء.
ب ــ أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
وكلما زاد الإنسان الصيام في شهر محرم كان أجره أعظم.
وأما حديث ابن عباس: “صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً” فالحديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير رقم3506).
عدم الاغترار بثواب الصيام
يغتر بعض الناس بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.
قال ابن القيم: ” لم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الكبائر.
ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه؛ لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مئة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك محض غرور”
اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا ورده إلى الحق رداً جميلاً. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا وصلاح ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم إنا نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.