ليس دفاعاً عن بخيتان والدردري…ولكن / د . فيصل القاسم

ليس دفاعاً عن بخيتان والدردري…ولكن
فجأة ومن دون أي مقدمات شن اللواء الدكتور بهجت سليمان الرئيس السابق لواحد من أهم وأخطر فروع المخابرات في سوريا، وسفير سوريا السابق في الأردن، شن هجوماً لاذعاً على السيد محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد السابق وعلى عبدالله الدردري نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية في سوريا، وحملهما تبعات الكارثة السورية الحالية.

وقد كتب اللواء سليمان منشوراً على صفحته في فيسبوك بعنوان:” بين ” بَخْتَنَة ” الحزب .. و “دَرْدَرَة الاقتصاد”.ويقول في منشوره حرفياً: “يخطئ من يظن أن التخلص من “دردرة” الاقتصاد، ومن “بختنة” الحزب، سينتهي بين عشية وضحاها..وهذان ليسا شخصين فقط ، بل كانا رمزين لكل الاختراقات التي تسللت إلى الحزب والدولة..وستبقى آثار تلك الاختراقات طويلاً بين صفوفنا ..ولا يقولَنَّ قائلٌ : لماذا سمحوا لهم بذلك ؟! ..لأنّ تلك هي طبيعة الأمور في عالم السياسة .. ومن لا يدرك هذه البديهية، يحتاج لدروس كثيرة في دنيا السياسة..والاختراقات لا تستأذن القادةَ الشرفاء، ولا تنتظر موافقتهم، بل تتسلل من بين جنباتهم، وهي مرتدية ثوب العفة والطهارة والوطنية .وتبقى المعركةُ مستمرّةً ، مع دواعش الخارج والداخل ، إلى أن تعودَ سورية الأسد إلى نقائها وصفائها وجوهرها الحقيقي ، ويُزَالَ عنها ما عَلِقَ بها ، عبر العقود الماضية…” انتهى كلام اللواء بهجت سليمان.

الآن تعالوا ندقق ونمحص في هذه التهم الخطيرة لأعلى منصب حزبي وأعلى منصب اقتصادي في سوريا. ليس بسيطاً أبداً أن يتهم بهجت سليمان محمد سعيد بخيتان والدردري بأنهما من دواعش الداخل. هذه تهمة خطيرة جداً وتحريض علني على إعدام الشخصين، وخاصة السيد بخيتان الذي بقي في الداخل بعد تقاعده. أود وبكل موضوعية وبعيداً عن التجريح أن أوجه بعض الأسئلة للدكتور سليمان الذي يعتبر من عظام رقبة النظام، خاصة وأنه لعب دوراً تاريخياً في تربية بعض آل الأسد والإشراف على تحصيلهم السياسي.

سيادة اللواء: أنت تعلم علم اليقين أن سوريا ليست دولة بأي حال من الأحوال، وليس فيها سلطات ثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. هذه السلطات كلها مختزلة في أجهزة الأمن الذراع الحقيقي للرئاسة السورية منذ وصول النظام إلى السلطة. أنت تعلم يا سيادة اللواء أنك أنت وأمثالك من كان يعيّن رؤساء الوزراء والوزراء والأمين القطري المساعد والأمين القومي وكل أعضاء القيادتين القطرية والقومية.

مقالات ذات صلة

وأنت تعلم علم اليقين أن أجهزة الأمن تشرف على تعيين الزبال في القيادة القطرية والفراش وصانع القهوة والشاي. ولا يمكن لأي سوري أن يحصل على أي وظيفة مهما تدنى شأنها إلا بموافقة أمنية دقيقة. وأنت تعلم قبل غيرك يا سيادة اللواء كيف تقوم أجهزة المخابرات كلها بالتدقيق في ماضي وحاضر أي مواطن سوري، وتقوم بعملية تقاطع معلومات دقيقة للغاية، وتسأل القاصي والداني عن تاريخ أبسط موظف قبل أن توظفه في دوائر الدولة، حتى لو كان سيعمل بوظيفة آذن مدرسة.

وإذا كانت الدولة الأمنية الرهيبة في سوريا تعرف عن السوريين أكثر مما يعرفون عن أنفسهم، فكيف يمر عليها تعيين شخصيات مهمة كأمين قطري مساعد أو نائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية؟ باختصار شديد يا سيادة اللواء أنتم تعرفون البئر وغطاءه في كل شاردة وواردة في سوريا. والأهم من كل ذلك أن أي وظيفة في سوريا تكون مباشرة تحت مرأى ومسمع أجهزة الأمن ليل نهار، لأن المؤسسة الوحيدة التي تعمل في سوريا بدقة ساعة الروليكس هي المؤسسة الأمنية العتيدة.

وقد سمعت معظم الدوائر الحكومية في سوريا وهي تشتكي دوماً من التسلط الأمني الرهيب والتدخل اليومي المباشر في إدارة شؤونها. لا شك أنك تعلم يا سيادة اللواء بهجت أن هناك عناصر أمنيين موجودين في كل دائرة حكومية في سورية. وكل الموظفين والمدراء يعرفونهم جيداً، ويخافونهم، بحكم أنهم أعلى سلطة من أكبر رئيس وزراء وحتى أقوى من أي مسؤول حزبي.

فإذا كنتم يا سيادة اللواء تتابعون بعيون زرقاء اليمامة تحركات أبسط موظف في سوريا، فكيف مرت عليكم ألاعيب بخيتان الحزبية ومؤامرات الدردري الاقتصادية؟ أنت تعلم يا سيادة اللواء أن بخيتان وكل القيادة القطرية هي عبارة عن موظفين بسيطين لا يمونون على شيء في سوريا، ولا يعرفون حتى عن أبسط تفاصيل السياسة السورية التي تحاك في الدوائر الضيقة جداً. لا شك أنك يا سيادة اللواء تعلم جيداً أن عبد الحليم خدام الذي عمل وزيراً للخارجية ونائباً للرئيس لعقود خرج من سوريا وهو لا يعلم عن تفاصيل السياسة السورية أكثر مما يعلمه أبسط إنسان سوري. لقد انتظر السوريون على أحر من الجمر ليسمعوا ماذا سيقوله خدام بعد انشقاقه ظناً منهم أنه يعلم الكثير من الأسرار، فتبين لهم أنه لا يعرف غير القشور، لأنه حتى لو كان نائباً للرئيس، إلا أنه كان مجرد موظف لا يعرف إلا ما يجب أن يعرف فقط. وليس مسموحاً له الانخراط في إدارة الدولة، لأن الإدارة محصورة في دائرة ضيقة جداً أنت تعرفها جيداً.

هل كان عبد الله الدردري يا سيادة اللواء هو من يدير الاقتصاد السوري فعلاً، أم رامي مخلوف وحيتان القصر؟ لا شك أن الدردري دمر اقتصاد سوريا، وساهم في دفع السوريين إلى الثورة من خلال سياساته الاقتصادية الحقيرة. لكن هل كان يستطيع أن يمرر أياً من سياساته بدون ضوء أخضر من آل مخلوف وآل الأسد المتحكمين بثروات سوريا واقتصادها؟ الدردري اقتصادياً كبخيتان حزبياً مجرد منفذ. وقد قال الدردري ذات يوم للقيادة: “أرجوكم لا تدفعوني لأكذب على الشعب أكثر مما كذبت فيما يخص الوضع الاقتصادي في سوريا. والله لم يعد لدي أكاذيب في جعبتي، فقد استنفذتها كلها، لأنني كذبت بما فيه الكفاية نيابة عنكم”.

هل بربك كان حزب البعث يحكم سوريا فعلاً في عهد بخيتان وقبل بخيتان؟ أم إنه كان ومازال مجرد واجهة مثل بقية مؤسسات الدولة الكرتونية كالحكومة ومجلس الشعب والقيادتين القطرية والقومية؟ ألا تتذكر يا سيادة اللواء عندما كنت ضابطاً قد الدنيا في المخابرات السورية؟ ألا تتذكر كيف كان كل كبار مسؤولي الدولة يحجون إلى مكتبك كتلاميذ المدارس لتقديم فروض الطاعة والحصول على رضاك؟ هل شاهدت حاكم سوريا المركزي وهو ينتظر بالدور عند سكرتير اللواء محمد ناصيف كي يحصل على الأوامر المالية والاقتصادية من إدارة أمن الدولة؟ أجهزة الأمن والقصر الجمهوري يا سيادة اللواء يدير كل شاردة وواردة في البلد عبر الهاتف. ثم عندما تنهار الأوضاع، وتفشل السياسات تبحثون عن كبش فداء مثل بخيتان والدردري.

صدقني يا سيادة اللواء أن كل السوريين الآن يعرفون من المسؤول عن خراب البلد ومن أوصله إلى هنا. ولم تعد تمر عليهم نكتة أن الرئيس نظيف لكن الذين حوله عرصات. هذه النكتة السمجة انتهى زمانها. والسوريون جميعاً باتوا يعرفون أن الثلم الأعوج من الثور الكبير، أي أجهزة الأمن والقصر الجمهوري. إذا أردتم النهوض بسوريا من مأساتها التاريخية عليكم أن تسموا الأشياء بمسمياتها، وألا تحملوها للدردرة والبختنة المسكينتين. لماذا يا سيادة اللواء اخترت “عبدالله” و”محمد” وحملتهما كوارث سوريا، ولم تذكر “علي” الآمر الناهي في سوريا منذ حوالي نصف قرن من الزمان؟ لماذا بالمشرمحي تتهم المسلمين السنة بتخريب سوريا، علماً أن المسؤولين السنة في البلاد مجرد طراطير لا يمونون على شيء؟

لماذا يا سيادة اللواء تضرب البردعة وتترك الحمار؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى