أمي وأبي أطالبكما بالاعتذار !! / علي الشريف

أمي وأبي أطالبكما بالاعتذار !!

. اليوم أشعر بأني أطالب والدي بالاعتذار عن لحظة الشهوة التي ألمت به ذات ليلة وكانت سببا في وجودي على هذه الارض. أطالبه بالاعتذار أولا لأنه لم يحسن تربيتي كما يجب ؛ فانا ربتني المدارس وتكليف الجيش والأسواق وهو كلما هممت بشيء كان يثنيني خصوصا أنني كنت أرغب بالمشاكل إلا أنه كان يطالبني بحسن الخلق دائما ……
أطالب أبي بالاعتذار لأن تربيته جعلت مني إنسانا ضعيفا يحكم عقله قبل أي قرار طيب القلب يهدأ بعد أي فورة غضب قنوعا لم تعد تفرق معه الدنيا صريحا حد الوجع…..
أطالب أبي بالاعتذار لأنه علمني فن التجارة وفن التعايش مع الناس لكنه لم يعلمني من القرآن سورة يوسف ولم يحدثني عن الجب والسيارة والأخوة ولم يذكر لي يوما عن النفاثات في العقد رغم أنه همس يوما وقال لي : احذر السوس في الوسط. …..
أنا أطالب أبي بالاعتذار لأنه ذات لحظة شهوة لم يفكر بأن هذه الحياة ستستقبل إنسانا يحمل همها فوق أكتافه ويمضي وأطالبه بالاعتذار لأنه اختار لي مكانا غير مكاني كنت على امتداد عمري أرغب أن أكون صحفيا لكنه اختارني تاجرا أثقلته الدنيا بالهموم ….
لم يكن أبي يحسن قراءة المستقبل ولم يكن يعلم أن الدنيا ستتغير وتتبدل عاش في ذاك الوقت لغيره ونسي أن يعيش لنا ……… اختزلنا جميعا بلحظة هروب من واقع كان يعيشه فرماه على أكتافي ومضى. ….
أطالبه بالاعتذار لأنه مارس معنا فرق تسد فاختار ان أكون بكره الأول والأجمل والأحب إليه وإلى قلبه كنت أشعر بنبضه في كل ليلة وكلما جائني في المنام كان يقول لي اصبر حتى بعد موته يقمعني ويطالبني بالصبر …..لم أره إلا مبتسما وبقميصه الأبيض وعلى عينيه شيء من حزن وكأني بالحزن يقول لي كان الله في عونك . ….
أطالب أبي بالاعتذار فقد جنى علي وما جنيت على أحد حملني إرثا تنوء عن حمله الجبال ورغم كل الذي عشته فيما مضى من عمري لم أزل أعاني من تربية والدي لي على الخلق . وأطالب أمي أن تعتذر صحيح هي أمي ولكنها شريكة في جرم الرضوخ لوالدي ذات شهوة أطالبها بالاعتذار لأنها أمي لأنها حملتني وهنا على وهن ولا أستطيع أن أرد لها ذلك……
لماذا لم تسقطني في أول الحمل لماذا تركتني أكبر في أحشائها وآتي إلى هذه الدنيا أطالبها بالاعتذار لأنها تقتلني كل يوم حين تتألم وحين ترفع يديها إلى السماء وتدعوا على الذي ظلمني . أطالبها بالاعتذار لأنها تحبني فمثلي لا يتستطيع أن يرى الدمع في عيونها دون أن يبكي ومثلي لا يمكن له أن يحمل صبرها وصمتها وجرحها الغائر من شذاذ الآفاق ومثلي لا يستطيع أن يحمل حبها .
أطالبها بالاعتذار لأنها قالت : إني أحب الناس إليها فقد بعثت في كلامها كل خناجر الغدر دون أن تدري وأرسلت على قلبي جراحا لم تشف ولن تشفى وأطالبها بالاعتذار لأنها تصمت ولم تعترف بالحقيقة يوما …بأنها رضخت مرتين مرة لفحولة أبي ومرة رضخت للدمع لكنها لجأت إلى السماء وهو ما لا يمكن أن أطالبها بالاعتذار عنه.
أطالبك يا أمي بالاعتذار لأنك تحبيني لأنك مارست الصمت ورحمتك منعنتني من أن أنفذ حد الله فيمن يريد قتلي لأنك يا أمي التي أحببت وضعت حد السيف على رقبتي يوم أشهرت الحب على مسامع الجناة(.لما يا أمي جهرت بالحب لما قتلتيني). لأنك يا أمي جبلت حبي بالطيبة لأنك تعلمين حق اليقين أني لا يمكن أن أرفع صوتي في حضرتك ولا يمكن لي يوما إلا أن أنحني تحت قدميك أطالبك بالاعتذار…….
لانك تدركين كل ذلك تقمعيني فقط لأنك عرفتي وجعي ولم ترفعيه عني يوما أطالبك بالاعتذار(فارفعي يديك إلى السماء واستمري بالدعاء) الا ليتك يا أمي كنت عاقرا فلم أرى الحياة …ويا ليتك أسقطت ذاك الحمل قبل أن يكبر ويا ليت يا أمي أنك مارست دور الأم في لحظات الشقاء كما مارستها يوم ولادتي…….
أطالبكما بالاعتذار أنت وأبي أطالبكما بالحقيقة التي تسترت في مآقي العيون ففضحها الدمع أطالبكما بشيء من الرحمة فأنا بعد كل الشقاء تعلمت أن أقول أنا يوسف يا أبت…. رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى