
ما خلف الكواليس لإنهاء إضراب نقابة المعلمين
هذا المقال لا يتحدث عن جميع الوساطات والمبادرات فهي كثيرة ، فقط يتحدث عن الوساطة التي قادها الدكتور رحيل غرايبة الأمين العام لمركز حقوق الإنسان والأمين العام لحزب المؤتمر الوطني زمزم ،حيث أن جميع الوساطات والمبادرات الأخرى انتهت الى عدم النجاح .
في الرابع من سبتمبر ما قبل يوم الإعتصام تواصل د رحيل غرايبة مع مجلس نقابة المعلمين للتدخل في الأزمة وكان حديث مجلس النقابة عاتب أنه لم يتجاوب معهم أحد ولم يلتفت لقضية المعلمين أحد رغم خطاباتهم المتكررة للحكومة ، تم العمل على محاولة جمع رئيس الوزراء مع مجلس النقابة ، تواصل د رحيل غرايبة بذات اليوم مع رئيس الوزراء بصفته الأمين العام لمجلس حقوق الانسان وبحكم علاقته الشخصية مع الرئيس الوزراء فرحب الرئيس بتلك الوساطة .
حاول د رحيل غرايبة التواصل بعد ذلك مع مجلس النقابة لإتمام اللقاء إلا أن أجواء الإعتصام على الدوار الرابع كانت قد خيمت على المشهد فلم يتم اللقاء وإعتذر مجلس النقابة عن اللقاء في تمام الساعة 12.30 ليلا .
أصرت الحكومة على عدم قيام الإعتصام على الدوار الرابع وعدم الإستجابة لمطالب النقابة لعدة أسباب، أهمها أنها لا تريد أن تفتح باب المطالب الفئوية والذي لن يغلق في ظل تضخم إقتصادي وسوء الحالة الإقتصادية لجميع فئات الشعب الأردني ، كما أن إجتماع أكثر من مائة الف معلم في عمان يشكل حالة خطورة أمنية كبير في ظل مناخ محتقن يمكن أن تتحول إلى حالة من الفوضى التي يصعب ضبطها بعد ذلك من وجهة نظر الحكومة ، إضافة الى العقدة المالية الكبيرة حيث ان إعطاء المعلمين مطالبهم سيكلف الخزينة أكثر من 120 مليون دينار ، كما أن هناك فريق محسوب على الحرس القديم في الحكومة كان يرى في الاضراب إعتداء على هيبة الدولة وتهشيمها وكسر إرادتها .
بعد أحداث يوم الخميس وما جرى فيه من إغلاق لعمان وإعتقال بعض المعلمين وتعمد إهانتهم بدأ التوتر يسود المشهد واختفت جميع الوساطات وأصبح المشهد أكثر تعقيدا ، حينها تم التواصل مع أعضاء مجلس النقابة من المعلم الأستاذ عبد المنعم العودات عضو هيئة مركزية سابقة لنقابة المعلمين موضحا لهم بإن وساطة الدكتور رحيل لا زالت قائمة إذا أحببتم أن تتم الوساطة ويجمعكم بالرئيس وكان ذلك مساء يوم الجمعة 6 سبتمبر.
قام مجلس النقابة بعد عدة أيام بزيارة مقر مجلس حقوق الانسان والتقوا بالدكتور رحيل غرايبة وقدموا له جملة من المطالب وتم فتح تحقيق في التجاوزات التي تمت في يوم الإعتصام الخامس من سبتمبر والإستماع إلى من تعرضوا له من إهانة في المراكز الأمنية وتم التواصل مع الرئيس الذي رحب بحل الأزمة وإجراء حوار مجددا، إلا أن أجواء ما حدث يوم الإضراب كانت تخيم على المشهد وتدفع الأمور الى مزيد من التأزيم من جهة أطراف في الحكومة وإحتقان أعضاء النقابة وفئة المعلمين أيضا .
في تلك الأوقات كانت هناك أجنحة داخل الحكومة تؤمن بإنه لا يمكن أن تحل مشكلة الإضراب إلا بالضغط وكسر الإرادات مسخرين كل الأوراق التي بين يديهم مثل اللجوء للقضاء للفصل في النزاع ، إستخدام الإعلام لنقل وجهة نظر الحكومة وإقصاء المعلم ، إستخدام الفعاليات الشعبية التابعة لأجهزة الدولة وأعضاء مجلس النواب لتشكيل حالة من البلبلة وكسر إضراب المعلمين، لكن معظم تلك الأوراق اثبتت عجزها عن زحزحة صلابة نقابة المعلمين .
بقيت الوساطات تراوح مكانها رغم كثر المبادرات والوسطاء ، وكان الدكتور الغرايبة يؤكد في كل تواصل أو إتصال مع رئيس الوزراء بإنه لا حل للأزمة مع النقابة إلا بتوافق يرضى الجميع ، والإستجابة للمطالب العادلة ، واللين في الخطاب ، وحفظ كرامة المعلم، والتأكيد الدائم على ضرورة الاعتذار ومحاسبة المخالف عما جرى في يوم خميس الاعتصام ، بقي الحال على ما هو عليه حتى صدور قرار المحكمة الإدارية بالطلب المستعجل بوقف الإضراب وما ثار حوله من جدل قانوني كبير حول عدم الإختصاص وحجية القرار في مواجهة النقابة قبل أن يكتسب الدرجة القطعية بعد ذلك .
في بداية الأسبوع الرابع للإضراب تواصل رئيس الوزراء مع الدكتور الغرايبة وأخبره بإنه يرحب بتدخله من أجل فتح باب الحوار الجاد في حل الأزمة وأكد له أنه يثق به شخصيا ويرى أنه الشخص القادر على العمل على حل الازمة مع النقابة بما يحقق مصالح الجميع ومصلحة الوطن قبل ذلك.
في تلك الأثناء كان الدكتور الطبيب محمد عبد الحميد القضاة أستاذ جامعي – والذي تربطه علاقة شخصية مع وزير الصناعة والتجارة د طارق الحموري ووزير الريادة الرقمية مثنى الغرايبة- يتواصل مع د رحيل الغرايبة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والنقابة ، في ذات الوقت كان للإعلامي الأردني مدير راديو حسنى الأستاذ حسام غرايبة تواصل مع مجلس نقابة المعلمين ونائب النقيب لمحاولة تقريب وجهات النظر
في تلك الأوقات بدأت تتشكل لرئيس الوزراء قناعة أن هناك ضرورة لتبديل فريق التفاوض وإدخال الحموري على خط حل الأزمة ، وأيضا أصبح هناك تنسيق ما بين الأستاذ حسام ود رحيل ود. القضاة من اجل إدارة حوار جاد ومثمر بين الحكومة والنقابة
في صباح يوم الثلاثاء زار الدكتور رحيل غرايبة بصحبة الدكتور محمد القضاة والأستاذ حسام غرايبة دار رئاسة الوزراء والتقوا بالرئيس إلا أن الأجواء كانت تشير إلى أن الإحباط كان يخيم على المشهد وأن رئيس الوزراء بدأ يستسلم لخيار الحسم إتجاه النقابة الذي يدفع باتجاهه وزراء وأجنحة من الحرس القديم داخل الحكومة .
في صباح يوم الأربعاء تواصل رئيس الوزراء مع الدكتور رحيل الغرايبة وذهب إليه بصحبة الدكتور القضاة والأستاذ حسام الغرايبة وطلب منهم البحث عن حل يرضي الجميع وأكد لهم أنه يثق بهم وبما سوف يصلوا إليه من حلول ، في تلك الأوقات تواصل الأستاذ حسام غرايبة مع نائب النقيب وأعضاء من مجلس النقابة والتقوا في مجلس حقوق الانسان وأوضحوا لأعضاء مجلس النقابة بإن الأمور تسير نحو التصعيد إتجاه النقابة وأنهم يرغبوا في التوسط بإن يحلوا الأمور بينهم وبين الحكومة ، إستمر اللقاء أكثر من أربعة ساعات ، أسفر اللقاء عن وضع مسودة الإتفاق وكانت تتضمن مسارين ، المسار المهني وبه أربعة عشر نقطة تتعلق بالمعلمين المغتربين ومكرمة المعلمين وإسكان المعلمين وأكاديمية التدريب …… الخ وهي مطالب معلقة منذ تأسيس النقابة لم يبت بها ولم تعطى للمعلمين ، وأما المسار الثاني فتضمن الحديث عن العلاوة حسب الرتب وكان الحديث بإن يكون إجمالي تكلفة العلاوة السنوية من خمسين الى ستين مليون دينار لكن الرقم لم يكن رقم موافق عليه من مجلس النقابة بشكل نهائي وترك للتفاوض مع الحكومة .
تم الإنتقال في ذات اليوم بعد للقاء مع مجلس النقابة الى منزل رئيس الوزراء وكان يحضره مع الرئيس الوزير طارق الحموري فقط ومن مجلس النقابة نائب النقيب النواصرة (ورعاة الحوار الدكتور رحيل والدكتور القضاة والأستاذ حسام الغرايبة ) إستمر اللقاء من الساعة السابعة والنصف من ليل الاربعاء حتى الساعة الثامنة صباحا من يوم الخميس تم المناقشة في كل نقطة من نقاط المسودة ، أسفر اللقاء على التوافق الأولي على أن تكون تكلفة العلاوة من 50 إلى 62 مليون ، حينها طلب نائب النقيب أن يعود لمجلس النقابة لأخذ الموافقة عليها .
في الصباح تفاجئ وسطاء الحوار بصدور القرار القضائي القطعي بوقف الإضراب فأربك حالة التفاوض ومشهد اللمسات الأخيرة للاتفاق ، وسادت حالة من التوتر جديدة بين أطراف الحوار أو التفاوض .
في مساء الخميس تم العودة إلى منزل رئيس الوزراء لإستكمال التوافق على بنود مسودة الإتفاق وحضر في هذا اللقاء وزير التربية بالإضافة الى الوزير الحموري (ورعاة الحوار) و نائب النقيب ، وإستمر اللقاء من الساعة الرابعة مساء يوم الخميس حتى الساعة الثانية من فجر يوم الجمعة ، إلا أن قدوم نائب النقيب بأرقام أخرى من مجلس النقابة تصل بتكلفة العلاوة الى 80 مليون اثار استياء الرئيس فساد جو من الإحباط والشعور بإن الأمور سوف تفشل في وضع اللمسات الأخيرة
بعد ظهر يوم الجمعة تواصل د رحيل غرايبة مع نائب النقيب وطلب منه أن يستمر في الحوار وأن لا يستسلموا للإحباط واليأس وضرورة التقدم بالحوار والتفاوض لما به خير للجميع وأن ما تم تحقيقه شيء كبير ، فحضر أعضاء من مجلس النقابة مع نائب النقيب دون حضور أي من اطراف الحكومة في مكتب الأستاذ حسام غرايبة وبحضور (رعاة الحوار) وتم الحديث معهم بما يسهل حالة التفاوض وإنجاحها، في هذا اللقاء كان أعضاء المجلس القادمين مع نائب النقيب لا يمتلكون زخم المعلومات والتفاصيل التي تم مناقشتها في بيت الرئيس يوم الأربعاء والخميس ، بعد ذلك وفي ذات يوم الجمعة تم تنظيم لقاء بعد ذلك في نفس المكان بين أعضاء مجلس النقابة وحضور وزير الصناعة والتجارة والمستشار القانوني لمجلس الوزراء (ورعاة الحوار) وتم الاتفاق على أن يذهب الفريق الوزاري المشكل من وزير الصناعة والتجارة والمستشار القانوني الى مجلس النقابة ويجروا حوارهم النهائي في مجلس النقابة بعد ان تم رسم ملامح الاتفاق الأولي ومسودة الإتفاق وترك حسم نسبة العلاوة والاختلاف البسيط حولها بين ما قدمه رئيس الوزراء وما اقترحه مجلس النقابة ليوم السبت .
يوم السبت تم تقديم إعتذار واضح من رئيس الوزراء للمعلم الأردني في يوم المعلم لتهيئة الأجواء لحوار وإتفاق جاد ومثمر وذهب الفريق الوزاري المفاوض الى مقر النقابة وتم إجراء الحوار مباشرة بين الوفد الحكومي ومجلس النقابة وإنتهى على إقرار مسودة الاتفاق التي تم التوافق عليها في بيت رئيس الوزراء يوم الأربعاء والخميس وخاصة المتعلق بـالنقاط لـ 14 المذكورة في الوثيقة المعلنة ، وتم التعديل على نسب العلاوة بالرفع حيث أصبحت التكلفة الكلية للعلاوة تتراوح بين 70 و80 مليون حسب ما تم الإعلان عنها بعد جولتين من الحوار المباشر والذي انتهي مساء يوم السبت إتفاق خرج به الوطن معافى قوي كسب به الجميع ولم يخسر به أحد.
نكتب هذا المقال لنقول شكرا لهؤلاء الجنود الذين بقوا يعملوا بعيدا عن أضواء الكاميرات وبريق الاعلام وحصد الشعبويات حتى رست سفينة الوطن على بر الأمان ففرح بعملهم الجميع .