“سناب تشات” / صهيب عمر طويط

“سناب تشات”
كنت أتحدث ذات مرة لرجل كبير بالسّن, ولا أدري سر محبة هؤلاء الأشخاص لي, فما إن أجلس بجانب أحدهم, حتى ينظر إليّ نظرة ثاقبة, بعين شبه مفتوحة و أخرى مغمضة تماماً, فيتملكني الخوف من أن تكون تسريحة شعري غير لائقة (فايع) , أو فيها نقص بالمروؤة (سشوار مبالغ فيه) , فإن هذا النوع من الأشخاص لا يتردد في إطلاق ( البهدلة ) الأدبية , بجمل مختصرة, ذات إعجاز لغوي لا تفهمه إلا بعد وصولك إلى المنزل بعدة أيام !!
المهم أن هاتفي قد رن و كانت مكالمة من والدتي الحبيبة , و كالعادة (جيب كيلو بندوره و ربطة خبز), أغلقت الهاتف و إذ بهذا الرجل الطيب بدأ بالتّمتمة..,
فقلت له : (خير عمّي شو في !!),
فقال لي: (هالتفلونات هاي جننت العالم),
قلت: -و أنا الذي بداخلي (كونان)- (ليش عمي مال العالم!!)
قال: (بتلاقيك قاعد مع الواحد وللّا هو ماسك التفلون و ببعـ… فيه , هظاك النهار واحد طلعت علية سيارة…!!),
قلت ضاحكاً: هههه .. و الله معك حق عمي… قال: أول أحسن…
قلت: (بس زمان ما كنتوا تقدروا تتواصلوا بسهولة مع بعض).
قال : (بس الواحد كان بلشان بحاله هظيتش الأيام…, و لمّا بدك واحد ع الأقل تشتاق له).
إن هذه الجملة التي قالها الرجل, أسكتتني تماما , لأني تذكرت واقعنا المؤلم !!!
فها نحن أصبحنا في سجن الـ (سناب تشات) نتابعهم كل يوم -بل في كل لحظة- , كل صغيره و كبيره لا تخفى عن أعيننا !! و البطل الحقيقي هو الذي يعرف أخبار النجم أولا!!,
بل إنه يوجد أشخاص ليسوا نجوماً, ولا حتى يقدّمون الفائدة للمجتمع, أصبحوا مشاهير في عالم (الميديا) !!
و منهم أطفال حتى لم يتموا عمر الكلام , و آخرين لا يجيدون إلا (الرقص) !!
و المثقفين يا حرام !!.. مهجورون لا يعلم بهم أحد ولا يتابعهم أحد…!!!
ناهيك عن تلك الفاتنة التي لا يتابعها الناس إلا لجمال جسدها و وجهها !! هذا إن كان طبيعيا أصلا !! و لا يخفى على أحد أن الفتيات أيضا يتابعن الشاب الأكثر وسامة, على أمل أن يتصدق عليها بكلمة, ولكن هيهات..!!
إن ما قاله ذلك الرجل حين قال: ( الواحد كان بلشان بحاله…) , هو بالفعل ما نحتاج إليه في هذه الأيام, التي أصبحنا نعاني فيها من ضياع أيامنا بما لا ينفع..!
بل إننا نعيش بمخططات غيرنا!!.. نعم مخططاتهم و نحقق أحلامهم دون أن نشعر..!!
فذلك الشخص الفارغ ما نال شهرته الزائفة, إلا من متابعتنا له!!, واهتمامنا بما يقول, صدقا قال أم كذبا!! أو تلك الفتاة التي تقلد أصوات الحيوانات تارة و تتغنج تارة أخرى, ما كنت لتستمر بهذا (الهبل!!) إلا من متابعتنا لها .. للأسف..!!
فقلي بالله عليك, كيف تسمح لشخص (فاضي أشغال), مثل هؤلاء الناس أن يستغل وقتك, و أنا على يقين, أنه لو كل واحد منا أهتم بنفسه أكثر, و أعطاها حقها لأصبح شخصا مميزاً بل وقدوة حسنة للناس..
إن الأمر يحتاج منا للتفكير قليلا.. و أن لا نجعل مغريات الحياة تنسينا حتى أنفسنا..!!
و قُل لنفسك.. لن أعيش أحلام غيري, أو أنفذ مخططات الآخرين, لن أُستغل بعد اليوم, فأنا لست ملكاً لأحد.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى