عمان – أحمد الطراونة – قال الشاعر جميل أبو صبيح في معرض تقديمه للشاعر محمد العامري، ود.راشد عيسى، للحديث عن تجربة العامري الشعرية، في لقاء الأربعاء الذي عقد في رابطة الكتاب الأردنيين: إن ما يجمع العامري وراشد هو ذلك الفضاء الطفولي الرحب الذي نهلا منه، حتى فاض عليهما إبداعا.
تحدث الشاعر محمد العامري عن بعض مفاصل تجربته الشعرية، الذي يقدم حالة ثقافية في ظل الانتكاس والركود في السياقات كافة وخاصة الثقافية منها.
ثم القى العامري مجموعة من قصائده منها: إهداء إلى حصان جدي، وكأنك في وردة الليل ليل، وبعد منتصف الوداع، ومنها:
بعد منتصف العشق كنا على وشك الارتباك
وكنت على وشكي، على وشك الريب
مشتاقة لبهاء يدي،
مشتاقة لوحيدك حين يكون نهارك ليلي
وحده القلب مستسلما لنهار قميص بكى عمره في الخيوط
ترى..
كيف لي أن أحبّر تاريخ عشقي واكتب سطرا عن الحب
كيف لي أن أمدّ يد الليل في سريرك.
تحدث الشاعر والناقد د.راشد عيسى عن تجربة العامري الشعرية، مؤكدا على أن طفولة العامري هي مكان خصب يلوذ اليه الشاعر والتشكيلي العامري كل حين، مضيفا أن ما يجمع بين الشاعر والرسام عند العامري هو طفولة التصوير الانفعالي، فالطفولة عند العامري ميراث غنيّ باللعب والحرية والغرائب والأعاجيب وإخراج الأشياء عن عاداتها المأنوسة، والأدب بحسب كانط لعب لغوي فني خلاّق، لذا استثمر العامري طفولته وراح يعيد إنتاجها نصّا شعريا ولوحة تتمازج فيها ألوان الحياة.
وأضاف عيسى أن الحنين للطفولة ظاهرة رئيسية في الأدب والفن وهي مورد غني يستقي منه الأدباء والفنانون لوحات وقصائد يحتجون بها في سن الرشد دفاعا عن الحياة ضد الفناء، وربما تكون مرحلة الطفولة ببراءتها وسذاجتها وحرياتها وجمالياتها المكانية فردوسا باقيا في وجدان الأديب.
وأشار راشد إلى أن التجربة الشعرية عند العامري تتفرع إلى ثلاثة اتجاهات تتخذ ميراث الطفولة وفضاءها الخيالي محورا لها، فيبدو الاتجاه الأول واضحا في استثمار هندسة اللون في تشكيل المعنى الشعري، فيما يتركز الاتجاه الثاني حول اثر الصورة البصرية الطفولية ولاسيّما المكانية منها في الصورة الفنية العفوية التي تجسد الحنين للمكان وهو ما يسمى بالنستالجيا، أما الاتجاه الثالث فيبرز في ميكانيزم السرد الشعري حتى لتبدو بعض القصائد ولاسيما في بيت الريش حكايا أو مشاهد قصصية تروي أنماطا من دهشة الطفولة وغرائبها وذهولها أمام براءة الأمكنة، أن هذه الاتجاهات الثلاثة كما يؤكد راشد تعيد الزمن الطفولي في شكل إنتاج فني يمكن أن نسميه سيرة ذاتية شعرية.
ورأى راشد أن هذه السيرة الذاتية الشعرية استثمرها عدد من الباحثين وعدّها ظاهرة أسلوبية جديرة بالاهتمام والدراسة، مضيفا أن ظاهرة الحنين إلى الطفولة في الأدب عامة والشعر خاصة تتعلق برابوطها الوثيق مع علم نفس الأدب الذي يعد هذا الحنين نوعا من النكوص حينا وشكلا من أشكال التعويض عن خسارة زمن الوعي والنضج في حين آخر، ونمط من أنماط تعدد الأنا في حين ثالث فضلا عن مظاهر سيكولوجية أخرى كالنرجسية والإسقاط وعقدة أوديب والخوف والقلق والاغتراب وغير ذلك مما تؤكده سيكولوجية الإبداع.
وختم راشد بأن العامري في ديوانيه الأخيرين استرفد مرحلة الطفولة استرفادا غزيرا لكنه اخلص للوحة إخلاصا مضاعفا عن إخلاصه للقصيدة فهو يملك مخيلة تصويرية شجاعة لكنه متباطئ في اقتراح صيغ لغوية شعرية تحمل القصيدة إلى سقف فني أعلى وابلغ تميزا وإثارة
أ.ر