
فلسطين بين وعدين
لم يكن آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا المشؤوم أول من أعطى وعدا لقادة الحركة الصهيونية في ارض العسل و اللبن أو ارض الميعاد كما يدّعون، بل سبقه في ذلك القائد الفرنسي المشهور نابليون بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر، فبعد أن حطمت مدينة عكا بصمود أسوارها أمال القائد،عمل هذا القائد المحنك على استنهاض همم اليهود لاستغلال تلك اللحظة التاريخية في محاولة بائسة لكسب تأييد تلك الحركات في وقت اجتمعت فيه مصالح الدول الاستعمارية الكبرى في سعيها الحثيث للسيطرة على مقدرات الشرق الغني بثرواته المادية و إرثه التاريخي و موقعه الجغرافي، ليحقق نابليون بوعده السابق هدفا آخر لا يقلّ أهمية عن هدفه الأول وهو التخلص من شرور يهود أوروبا الذين امتهنوا الربا حرفة لهم على نطاق واسع أرهق المجتمعات الأوروبية.
لم يكن وعد بلفور المشؤوم وليد الصدفة أو اللحظة التاريخية السانحة آنذاك، بل كان تتويجا لعمل دؤوب قام به قادة الحركة الصهيونية في أوروبا بعد أن تبنى مؤتمر بازل في سويسرا ( 1897م) تأسيس وطن للشعب اليهودي، وقد أخذ قادة الحركة الصهيونية على عاتقهم تحقيق ذلك الهدف و حملوه في اصقاع الأرض ليهود العالم، حيث انطلت الخدعة على أكثرهم حينما تغلّفت حيل السياسة بخرافات الدين حول أرض الميعاد التي منحها الرب إياهم و ذريتهم إلى الأبد كما ورد في سفر التثنية الذي يدوّن تاريخ أحداث بني إسرائيل في عهد موسى ( إذا أدخلك الربُ إلهك الأرض التي أنت صائر إليها و أسلمهم الرب إليك، و ضربتهم فأبسلهم ابسالا و لا تقطع معهم عهدا، لأنك شعب مقدس للرب إلهك).
تلكم هي الأساطير المؤسسة للوطن المزعوم، والتي استخدمت كل وسائل السياسة القذرة في تحقيق حلم الحركات الصهيونية في العالم، من خلال إقامة وطن قومي لهم على حساب أصحاب الأرض الشرعيين في إصرار عجيب من أهل الباطل على باطلهم في زمن تخاذل فيه أهل الحق و تخلوا عن حقهم . ولكن الوعد الحقيقي غير المزيف ما وعد به المسيطر و المتحكم في هذا الكون ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) و الله متم وعده ومن اصدق من الله قيلا.
الآن وبعد مائة عام مرّت على وعد بلفور تتبجح بريطانيا بهذا الإنجاز الذي يصفه بعض المؤرخين والساسة الصهاينة بأنه من اهم الوثائق التي تم ترجمتها خدمة لليهود ومصالحهم التي بات من المؤكد لاحقا أنها تخدم الدول الرأسمالية الكبرى في العالم الأوروبي.
هذا الوعد المشؤوم ليس بحاجة الى كبير انتقادات لتفنيده وبطلان ما جاء فيه جملة وتفصيلا ونقضه من أساسه، باعتباره انه صدر بشكل أحادي تعسفي انتهازي من قبل حكومة المملكة البريطانية التي أعطت ما لا تملكه لمن لا يستحق.
abutaqey@hotmail.com